الباحث: محمد حمزة الخفاجي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد...
تقع على عاتق الإمام مسؤوليات عدة كان من المفترض تأديتها، وقد بين لنا أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض خطبه ما يجب على الإمام من حقوق بقوله: (إِنَّه لَيْسَ عَلَى الإِمَامِ إِلَّا مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّه، الإِبْلَاغُ فِي الْمَوْعِظَةِ، والِاجْتِهَادُ فِي النَّصِيحَةِ، والإِحْيَاءُ لِلسُّنَّةِ، وإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وإِصْدَارُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا).
فمن الأوامر التي كلف بها الإمام من قبله تعالى ما يلي:
أولاً: تأدية أمر الله: قال تعالى لرسوله: { بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }.
وقد يكون البلاغ خاصًّا أو يكون عامًّا، فعلى الإمام أن يبلغ ما يؤمر به من قبل الله ورسوله .
وسبحانه إنما اختار هؤلاء الأئمة لعلمهم بطاعته واخلاصهم له سبحانه لذا وقع الاختيار على هؤلاء الأطهار.
ثانياً: الإبلاغ بالموعظة: كما كانت الأنبياء تبلغ أممها وتعظهم قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ }[1].
وقال تعالى: { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ }[2].
كذلك كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعظ الناس بل بالغ الإمام في الموعظة حتى صار أقرب الخلق الى الله بعد نبيه وخاتم رسله.
فمن خطبة له (عليه السلام) يأمر الناس بالتقوى قال فيها: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ بَثَثْتُ لَكُمُ الْمَوَاعِظَ، الَّتِي وَعَظَ الأَنْبِيَاءُ بِهَا أُمَمَهُمْ، وأَدَّيْتُ إِلَيْكُمْ مَا أَدَّتِ الأَوْصِيَاءُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وأَدَّبْتُكُمْ بِسَوْطِي فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا، وحَدَوْتُكُمْ بِالزَّوَاجِرِ فَلَمْ تَسْتَوْسِقُوا)[3].
فقد سعى الإمام جاهداً في اصلاح الناس من خلال الوعظ والارشاد لكن أغلبهم صم بكم.
ثالثاً: الاجتهاد بالنصيحة: كان الأنبياء (صلوات الله عليهم أجمعين) ينصحون الناس ليلاً ونهاراً، وهذا ما جعلهم من المقربين، قال تعالى على لسان نوح:{إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا}[4]. وقد سار الإمام علي (عليه السلام) على نهج الانبياء والرسل، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن عليا (عليه السلام) كان عبدا ناصحا لله عز وجل فنصحه، وأحب الله عز وجل فأحبه)[5].
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنصح خلق الله في أرضه لذا رفعه الله مكانا عليا حتى صار سيد الخلق، وبما أن الإمام علي (عليه السلام) هو نفس النبي (صلى الله عليه وآله) كان أنصح الخلق بعده رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا مر بالأسواق كان ينصحهم بأن يكيلوا بالقسط وإذا شاهد خصمان يختصمان نصحهم وأصلح ما بينهم.
وكان (عليه السلام) يقول للناس: (أيها الناس! إن لي عليكم حقا ولكم علي حق، فأما حقكم علي فالنصيحة لكم ... وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب)[6].
رابعاً: الإحياء للسنة: قال تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا }[7]، فجميع الأنبياء جاءوا برسالة واحدة الى أن ختم الله برسوله فحلاله حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة.
فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) المكلف بحفظ الدين فلما ارتحل الى جوار ربه أمر الأئمة بحفظ الدين وحمايته من أهل البدع، فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) المكلف الاول من قبل الله ورسوله بهذا الأمر، فمن خطبة له (عليه السلام) واصفاً فيها نفسه: (وإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ .. مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ يُحْيُونَ سُنَنَ اللَّه وسُنَنَ رَسُولِه)[8].
وإحياء السنة لا يكون إلا بالعمل بها والتصدي لمن خالفها وبهذا يكون الإمام (عليه السلام) قد أحيا سنن الله تعالى وسنن رسوله (صلى الله عليه وآله).
خامساً: إقامة الحدود: إن من أهم واجبات الإمام إقامة الحدود وإلا لكثر التسيب وساد الفساد وكثرت الجرائم وتعطلت الأحكام لذا كان على الإمام إقامة حدود الله لنشر السلام، فمن خطبة له (عليه السلام) بين فيها أحكام الدين بقوله: (.. وقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّه (صلى الله عليه وآله) رَجَمَ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْه ثُمَّ وَرَّثَه أَهْلَه، وقَتَلَ الْقَاتِلَ ووَرَّثَ مِيرَاثَه أَهْلَه، وقَطَعَ السَّارِقَ وجَلَدَ الزَّانِيَ غَيْرَ الْمُحْصَنِ، ثُمَّ قَسَمَ عَلَيْهِمَا مِنَ الْفَيْءِ ونَكَحَا الْمُسْلِمَاتِ، فَأَخَذَهُمْ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وآله) بِذُنُوبِهِمْ، وأَقَامَ حَقَّ اللَّه فِيهِمْ، ولَمْ يَمْنَعْهُمْ سَهْمَهُمْ مِنَ الإِسْلَامِ، ولَمْ يُخْرِجْ أَسْمَاءَهُمْ مِنْ بَيْنِ أَهْلِه)[9].
فرسول الله هو نبي الرحمة وإمام الهدى رجم الزاني وأقام الحدود وكل ذلك من أجل نشر العدل وازهاق الباطل وتحقيق العدالة السماوية.
سادساً: إصدار السهام الى أهلها: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقسم السهام بالسوية بدون تميز بعض على بعض وهذا هو عدل الله فلا فرق عنده بين أبيض أو أسود فكلٌ عنده سواء، وقد سار أمير المؤمنين (عليه السلام) على نهج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قسمة بيت المال حتى شهد له المؤمن والفاجر في هذا الأمر فنهج علي (عليه السلام) هو نهج الحق لذا اختاره الله أن يكون حجته في أرضه وخليفته على العباد.
والختام: إن الله سبحانه فرض على الإمام هذه الأمور كي لا يقول الناس يوم القيامة إنا كنا غافلين عن ذلك، فسبحانه من خلال أئمة الهدى أتم حجته على الناس.
الهوامش:
[1] - سورة يونس: 57.
[2] - سورة الأعراف: 145.
[3] - نهج البلاغة، الخطبة: 187، ص263، تحقيق صبحي الصالح.
[4] - سورة نوح: 5.
[5] - ميزان الحكمة، ج4، ص3278.
[6] - ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج4، ص3278.
[7] - سورة الفتح: 23.
[8] - نهج البلاغة، الخطبة: 192، ص302.
[9] - نهج البلاغة، الخطبة: 127، ص184.