محمد حمزة الخفاجي
الْحَمْدُ لله الَّذِي شَرَعَ الإِسْلَامَ فَسَهَّلَ شَرَائِعَه لِمَنْ وَرَدَه، وأَعَزَّ أَرْكَانَه عَلَى مَنْ غَالَبَه، فَجَعَلَه أَمْناً لِمَنْ عَلِقَه، وسِلْماً لِمَنْ دَخَلَه، وبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِه، وشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ عَنْه، وبعد:
قال تعالى في محكم كتابه الكريم {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}[1]، جاء في الكافي قال رسول الله لعلي (عليه السلام): (هِيَ أُذُنُكَ يَا عَلِيُّ)[2]، فقد شهد الله ورسوله لعلي بوعيه وايمانه حتى صار صدر علي وقلبه مستودع علم الله ورسوله، وهذا دليل كاف على انه أحق الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله).
فهذا الوعي وذلك الإدراك جعل له مكانة خاصة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لذا كان يأتمنه على الدين وأمور المسلمين فعن الإمام علي (عليه السلام) قال: (بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إلى اليمن، قلت: يا رسول الله تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء؟ قال: فضرب بيده في صدري وقال: (اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه) فوالذي نفسي بيده ما شككت في قضاء بين اثنين)[3].
فلولا أن النبي ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) يعلم ان علي بن أبي طالب (عليه السلام) له اذن واعية وقلب حفيظ لما ضرب على صدره وما كلفه بهذه المهمة لأن الحكم والقضاء بين الناس من أصعب الأمور وأعظمها عند الله ورسوله.
فقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما شككت في قضاء بين اثنين)، شاهد على أنه أعلم الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأفقههم بالدين.
عن جميل بن عبد الله بن يزيد المدني قال: (ذكر عند النبي (صلى الله عليه وآله) قضاء قضى به علي، فأعجب النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: الحمد لله الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت)[4].
وفي رواية أخرى، إن النبي بلغه حكم لأمير المؤمنين فقال: (الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت من يقضى على سنن داود (عليه السلام) وسبيله في القضاء)[5].
فسبحانه وتعالى جعل الحكمة في آل البيت (عليهم السلام) لما لهم من استجابة في طاعته واجتناب لمعصيته.
عن ابن عباس، قال: (خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من منزل عائشة فاستقبله أعرابي ومعه ناقة، فقال: يا محمد تشتري هذه الناقة ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ): نعم بكم تبيعها يا أعرابي ؟ فقال بمائتي درهم ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ): بل ناقتك خير من هذا، فما زال النبي يزيد حتى اشترى الناقة بأربعمائة درهم، قال: فلما دفع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الأعرابي الدراهم ضرب الأعرابي على زمام الناقة، فقال: الناقة ناقتي والدراهم دراهمي فإن كان لمحمد شيء فليقم البينة، قال: فأقبل رجل فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ): أفترضى بالشيخ المقبل؟ قال: نعم يا محمد، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): تقضي فيما بيني وبين هذا الأعرابي ؟ فقال: تكلّم يا رسول الله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الناقة ناقتي والدراهم دراهم الأعرابي، فقال الأعرابي: بل الناقة ناقتي والدراهم دراهمي إن كان لمحمد شيء فليقم البينة، فقال الرجل: القضية فيها واضحة يا رسول الله، وذلك لأن الأعرابي طلب البينة، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): اجلس فجلس، ثم أقبل رجل آخر فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): أترضى يا أعرابي بهذا الشيخ المقبل؟ قال: نعم يا محمد، فلما دنا قال النبي (صلى الله عليه وآله) اقض فيما بيني وبين هذا الأعرابي، فقال: تكلّم يا رسول الله، فقال النبي: الناقة ناقتي والدراهم دارهم الأعرابي، فقال الأعرابي: بل الدراهم دراهمي والناقة ناقتي إن كان لمحمد شيء فليقم البينة، فقال الرجل: القضية فيها واضحة يا رسول الله لأن الأعرابي طلب البينة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) اجلس فجلس، ثم أقبل رجل آخر فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أترضى يا أعرابي بالشيخ المقبل؟ قال: نعم يا محمد، فلما دنا قال النبي (صلى الله عليه وآله): اقض فيما بيني وبين هذا الأعرابي، فقال: تكلّم يا رسول الله فقال النبي: الناقة ناقتي والدراهم دراهم الأعرابي، فقال الأعرابي: بل الدراهم دراهمي والناقة ناقتي إن كان لمحمد شيء فليقم البينة، فقال الرجل: القضية فيها واضحة يا رسول الله لأن الأعرابي طلب البينة ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) اجلس حتى يأتي الله بمن يقضي بيني وبين الأعرابي بالحق ، فأقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أترضى بالشاب المقبل ؟ قال: نعم ، فلما دنا قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا أبا الحسن اقضي فيما بيني وبين الأعرابي، فقال: تكلّم يا رسول الله، فقال النبي: الناقة ناقتي والدراهم دراهم الأعرابي، فقال الأعرابي: لا بل الناقة ناقتي والدراهم دراهمي إن كان لمحمد شيء فليقم البينة، فقال علي (عليه السلام): خلّ بين الناقة وبين رسول الله، فقال الأعرابي: ما كنت بالذي أفعل أو يقيم البينة، قال: فدخل علي (عليه السلام) منزله فاشتمل على قائم سيفه ثم أتى فقال: خلّ بين الناقة وبين رسول الله، قال: ما كنت بالذي أفعل أو يقيم البينة، قال: فضربه علي (عليه السلام) ضربة، فاجتمع أهل الحجاز على أنه رمى برأسه، وقال بعض أهل العراق بل قطع منه عضواً، قال: فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما حملك على هذا يا علي ؟ فقال: يا رسول الله نصدقك على الوحي من السماء ولا نصدّقك على أربعمائة درهم)[6].
وفي الختام أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
الهوامش:
[1] - الحاقة: 12.
[2] - الكافي: 1 / 423.
[3] - بحار الأنوار: 21 / 361.
[4] - شرح الأخبار، القاضي النعماني: 2 / 309.
[5] - الارشاد: الشيخ المفيد: 1 / 195.
[6] - مسند الإمام علي، السيد حسن القبانجي: 6 / 500.