من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام قوله: ((لم يَزَلْ))

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام قوله: ((لم يَزَلْ))

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 27-07-2022

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل – الجامعة المستنصرية

((الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي: ((يَزَل))

تدلُّ مادَّة «زال ــ يزال» في اللُّغة على دوام الشَّيء وملازمته. قال الأَزهريّ: «وَيُقال: زَالَ الشَّيْء: إِذا ترك عَن مَكَانه وَلم يبرحْه؛ وَمِنْه قيل: ليلٌ زائل النُّجُوم، إِذا وصف بالطُّول؛ أَي: تلوح نجومه وَلا تغيب... وَيُقال: مَا زالَ يَفعل كَذَا وَكَذَا، وَلا يزَال يَفعَل كَذَا، كَقَوْلِك: مَا بَرِحَ وَمَا فَتِئَ وَمَا انفَكَّ، ومضارِعُه لا يَزال، ولا يُتكلَّمُ بِهِ إِلاَّ بحرفِ نفيٍ»[1].

وقال الرَّاغب: «وقولهم: مَا زَالَ، ولا يزال خُصَّا بالعبارة، وأُجْرِيَا مجرى (كان) في رفع الاسم ونصب الخبر... ومعناهُ معنى ما بَرِحْتُ، وعلى ذلك: (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [هود/ 118]، وقوله: (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ) [التوبة/ 110]»[2].
وجاء في (المحيط في اللُّغة): « وقَوْلُهم: ما زالَ فلانٌ يَفْعَلُ كذا، ولم يَزَلْ: يُرَادُ به دَوَامُ ذلك. وزالَ الشَّيْءُ: تَحَرَّكَ عن مَكانِه، ولم يَبْرَحْ»[3].

وقال الفيُّوميّ: «(مَا زَالَ) يفعل كذا و (لا أَزَالُ) أَفْعَلُهُ لا يُتَكَلَّمُ به إلاَّ بحرف النَّفي، والمراد به ملازمة الشَّيء و الحال الدَّائمة، مثل ما بَرِحَ وزناً ومعنىً...»[4].
وفرَّق أَبو هلال العسكريّ بين قولنا: (لم ينفكَّ)، و(لم يبرحْ)، و(لم يزلْ) بقوله: «إنَّ قَوْلنَا لم يَنْفَكّ يقتضي غيراً لم يَنْفَكّ، وَهُوَ يستعمل في مَا كَانَ الْمَوْصُوف بِهِ لازِما لشَيْء أَو مُقَارناً لَهُ، أَو مشبهاً بذلك على مَا ذكرنَا، وَلم يبرح يَقْتَضِي مَكَانا لم يبرح مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك لم يزل»[5].

وجاء هذا الفعل « زال ــ يزال» مرَّةً واحدةً في الخطبة مطابقاً دلالته اللُّغوية، أَورده أَمير المؤمنين (عليه السلام) لتمجيد الله ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ وتعظيمه، ببيان صفة من صفاته، وهي القِدَم والدَّوام؛ إذ قال (عليه السلام): «لَمْ يَزَلْ، ولَنْ يَزُوْلَ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ، وَهُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ، وَبَعْدَ كُلِّ شَيءٍ». ومراد أَمير المؤمنين (عليه السلام): أَنَّ الله ــ تبارك وتعالى ــ قديمٌ، دائمٌ لا يزال موجوداً[6].

و«زال ــ يزال» من أَخوات «كان»، يُشترَط في عملها أَنْ تُسبق بنفي لفظاً أَو تقديراً، أَو شبه نفي، ولا تستعمل إلاَّ ناقصة[7]، و«لم يزل» لم: حرف نفي، وجزم، وقلب، و«يزلْ» فعل مضارع ناقص مجزوم، وعلامة جزمه السُّكون، وحُذفت الأَلف قبل اللَّام السَّاكنة، للتخلُّص من التقاء السَّاكنين، وأَصله: «لم يزالْ»، ثــُمَّ حُذفت الأَلف فصار: «لم يزلْ»[8]، واسم «زال» محذوف تقديره «هو»، عائدٌ إلى الله ــ تبارك وتعالى ــ، والخبر محذوف ــ أَيضاً ــ، وتقديره «كائناً»، أَو «موجوداً»[9].

الهوامش:
[1]. تهذيب اللغة: 4/377.
[2]. مفردات ألفاظ القرآن: 388.
[3]. المحيط في اللغة: 2/305.
[4]. المصباح المنير 4/131. وينظر: لسان العرب: 11/313.
[5]. الفروق اللغوية: 181.
[6]. ينظر: مطالب السؤول: 176، ومصباح المتهجّدين: 33، ونهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: 2/82.
[7]. ينظر: شرح ابن عقيل: 1/263 و279.
[8]. ينظر: شرح المفصّل: 9/123، وظاهرة الجزم في اللغة العربية (رسالة ماجستير): 276 و277، وظاهرة التخفيف في العربية (دراسة صرفية/ صوتية) (رسالة ماجستير): 156.
[9] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 93-95.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2668 Seconds