بقلم: د. سعيد عكاب عبد العالي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطُفي من الخلق، وانتُجب من الورى، محمد وآله أُلي الفضل والنُّهى.
وبعد:
قالَ ابنُ منظور في بيانِ معنى لفظة(سُدَف): «وفي حَدِيثِ عَلِيٍّ: وكُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ، أَي، ظُلَمُها. وأَسْدَفُوا: أَسْرَجُوا، هَوْزَنيّةٌ، أَي: لُغَة هَوازِنَ»([1]).
فكلمةٌ(سُدَف) على زِنةِ(فُعَل)، وهي من أبنيةِ جمعِ التَّكسيرِ، الدَّالَّةُ على الكثرَةِ، ومشتقَّةٌ من الفعلِ الثُّلاثيّ(سَدَفَ)، والسُّدْفة بمعنى الظُّلْمَة، وقدْ تكونُ بمعنى الضَّوء، فهيَ من الأضدادِ، قالَ الأزهريّ: «قالَ أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: السُّدْفةُ في لُغةِ تَمِيم: الظُّلْمةُ. قَالَ: والسُّدْفة في لُغَة قيْس: الضَّوء»([2]).
ورُبَّما تأتي بمعنى الامتزاج، قَالَ ابن فارس: «السِّينُ والدَّالُ والفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِرْسَالِ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ غِطَاءً لَهُ. يُقَالُ أَسْدَفْتُ القِنَاعَ: أَرْسَلْتُهُ، والسُّدْفَةُ: اخْتِلَاطُ الظَّلَامِ»([3]).
يكشفُ لنا الإمامُ(عليه السَّلام) في حديثهِ سرَّ الهدايةِ الَّتي جاءَ بها الرَّسولُ محمَّدٌ(صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ)، فبيَّنَ اختلاط الظَّلامِ بالنُّور، لِيَكونَ مناسبًا في تصويرِ سريانِ الشَّكِّ في النَّفسِ، فكما يسري الظَّلامُ ليغشى الأرض، فإنَّ الشَّكَّ يسري في قلبِ صاحبهِ حتَّى يجعلهُ صيدًا سهلًا للشَّيطان، وبعد أنْ جاء النَّبيّ الأكرم(صَلَّى اللهُ عليه وآلهِ وسلَّمَ)، كشفَ هذا الظَّلامَ الَّذي خيَّمَ على قلُوب النَّاسِ؛ ليُنيرَ لهم دربَ الهدايةِ ويُرشدهم سَواء السَّبيل، فأزالَ عنهم ظلماتِ الشَّكِّ والشُّبهاتِ بما منحهم الله من العقول([4]).
وقد تبيَّن لنا أنَّ الإمامَ (عليه السَّلام) استعمــلَ لفظــةَ(سُدَف) على هــــذه الصِّيغة الدَّالَّـــةِ على الكثرةِ؛ ليُصوِّر لنا حالَ النَّاسِ في الجاهليَّــــةِ وتَخبُّطَهـــــم فـــــي كثرةِ الضَّلالِ والكفرِ والابتعاد عن سبيل الحقِّ والرَّشادِ، فجاءَ بجمع الكثرةِ ليناسب ما كان عليه حالهم)([5]).
الهوامش:
[1] لسان العرب(سدف): 9/148.
[2] التهذيب(سدف): 12/256.
[3] المقاييس(سدف): 3/148.
[4] ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، للخوئي: 5/386.
[5] لمزيد من الاطلاع ينظر: مرويات الامام علي عليه السلام في لسان العرب: سعيد عكاب عبد العالي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 90-92.