من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة الدلالة على الدواب عامّة/ النَّاقَة قال عليه السلام: ((َإِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللهُ تَعَالَى بالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بالرِّضَا))

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة الدلالة على الدواب عامّة/ النَّاقَة قال عليه السلام: ((َإِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللهُ تَعَالَى بالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بالرِّضَا))

511 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 07-08-2024

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:
ناقة
النَّاقَة الأنثى من الإبل[1].   وتسمّى النّاقة ناقةً إذا جُذعت[2].
وقد وردت لفظة (ناقة) مرتين في نهج البلاغة[3]، للدلالة على الناقة المعروفة، وهي أنثى الإبل، وذلك في سياقين مُنْفصلين؛ الأول يتحدث فيه الإمام عن (ناقة ثمود) كما يُسميها، أو ناقة النبي صالح (عليه السلام) كما تُُسمّى في المدونات الإسلامية[4].يقول الإمام علي في سياق النُّصح والإرشاد والتّحذير من الرَّضا بالظلم والطغيان والسكوت عليهما ((...َإِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللهُ تَعَالَى بالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بالرِّضَا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ } [5]...))[6]. يوظف الإمام القصة القرآنية المتعلقة بناقة نبي الله صالح (عليه السلام) مثلاً في النهي والتحذير من السكوت عن أعمال الباطل والقبول بها. لأنّ الساكت عن الظلم راضٍ به بحسب نظر الإسلام. وهو ما يؤكده الإمام في كلامه. واستعماله لمفردة (ناقة) دون غيرها من الألفاظ الخاصة بالإبل في هذا السياق جاء لأنّه يتحدث عن القضية المرتبطة بالناقة في القرآن الكريم، مع ملاحظة ما توحيه لفظة (ناقة) من التَّرويض والتّذليل. فالمُنوّق هو المُروّض المذلل من الجِمال[7]. فكأنّه قد أُحْسِنَت رياضَته فصار كالنّاقة [8]. ولهذا يقال في الأمثال: ((اسْتَنوَقَ الجَمُل))[9]، إذا أريد التعبير عن ذل البعير وسهولة ركوبه. فكأنّه صار كالنّاقة في ذُلَّها وسهولة مركبها[10]. كأنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) من خلال سرد هذهِ القصة القرآنية يُوميءُ إلى أنّ الثموديين قد أظهروا جبروتهم وطغيانهم وسلّطوها على (الناقة)، وهي من أضعف الدواب وأذلّها التي أخرجها الله لهم،  وقد عاقبهم الله تبارك وتعالى وأر كَسَهم بسببها. يقول جل جلاله في قصة النبي (صالح) التي حكاها الذكر الحكيم في قوله: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ الله لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [11]. وقد أتى النبي (صالح) (ثمود) يدعوهم إلى الله تبارك وتعالى، فلم يَتْبعه إلا قليل منهم، فحذّر الباقين وأنذرهم، فَسَألوه آية ناقةً تَخْرج من صخرةٍ في الجبل، فإن فَعَلَ لهم ذلك صدّقوه وأجابوه، فَصَلّى ودعا ربّه، فَتَمَخَّضت الصَّخرة تمخّض النّتاج بولدها، فانصدعت عن ناقة كما أرادوا[12]. ثم قَسّم لهم النبي بأمر الله شرب أنعامهم وشرب الناقة. ولكنهم ما لبثوا أن عَقَروها، واقتسموا لحمها[13].
وإنما أضيفت مفردة (الناقة) إلى (اسم الجلالة) في القرآن الكريم تشريفاً لها وتخصيصاً من إضافة الخلق إلى الخالق حسبما يذكر المفسرون[14]. فإنها آية من الله تبارك وتعالى، ولهذا غَضَب الله على (ثمود) لماّ عقروها[15]. قال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [16]. وكان عاقر النَّاقة رَجُل واحد من ثمود كما يُروى[17]، ولكن الله تبارك وتعالى نسب (العَقْرَ) اليهم جميعاً؛ فقال (فَعَقَرُوها) بالإسْنَاد إلى الجمع، في إشارة إلى رِضاهم، وقبولهم بهذهِ الفِعْلة. وهو ما ذكره الإمام (عليه السلام) في كلامه مُسْتعيناً بالوصف القرآني للقصّة، في مقام النهي عن القبول بالظلم والبغي والسكوت عنهما؛ لأنّ ذلك يدل على إقرار الناس الظالمين على ظلمهم، فلا يكون للنَّدم - عند ذاك- فائدة تُرجْى. ولهذا احتجَّ (عليه السلام) في ثنايا كلامه بقوله تعالى في وَصف ندم ثمود. {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ}   [18]. ولكن الله تعالى خَسَف بهم الأرض عقاباً لهم على عدم طاعة الله ورسوله، فقال الإمام مُعلقاً على عذاب ثمود:((فَمَا كَانَ إِلاَّ أَنْ خَارَتْ[19] أَرْضُهُمْ بِالْخَسْفَة[20]...))[21].وهذا الكلام هو تَفْسير و بَيَان لقوله تعالى في شأن عذاب الله لثمود: {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}[22].  وقد وردت لفظة (ناقة) بالدلالة المتقدمة نفسها، أعني كونها انثى الإبل، بوصفها إحدى وسائط النقل في ذلك الوقت)([23]).

الهوامش:
[1] ينظر: لسان العرب (نوق): 10/362، وتاج العروس (نوق): 26/440.
[2] أنفسهما.
[3] ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 464. 
[4] ينظر: الكشاف: 2/113، والمحرر الوجيز 2/420.
[5] الشعراء / 157.
[6] نهج البلاغة: خ/ 201: 402.
[7] ينظر: تهذيب اللغة (نوق): 9/ 243، ولسان العرب (نوق): 10/362.
[8] ينظر: تاج العروس (نوق): 26 / 442.
[9] مجمع الأمثال: 2/94، وجمهرة الأمثال: 1/8، والمستقصى في أمثال العرب: 1/158.
[10] ينظر: مجمع الأمثال: 2/94، ولسان العرب (نوق): 10/362.
[11] الاعراف / 73، وينظر: هود 61.
[12] ينظر: الكشاف:2/113، والمحرر الوجيز: 2/420.
[13] أنفسهما.
[14] ينظر: المحرر الوجيز: 2/420.
[15] نفسه.
[16] الشمس / 14، 15.
[17] ينظر: المحرر الوجيز: 2/420.
[18] الشعراء / 157.
[19] أصل الخوار صوتُ الثّور، والخوار الصياح. ينظر: لسان العرب (خور): 4/261.
[20] الخسف سؤوخ الأرض بما عليها. ينظر: لسان العرب (خسف): 9/67.
[21] نهج البلاغة: خ / 201: 402.
[22] الشعراء / 157.
([23]) لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 84-86.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2453 Seconds