من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((جُرِّد)) في قوله عليه السلام: «وغُمِّضَ ومُدِّدَ وَوُجِّهَ وَجُرِّدَ»

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((جُرِّد)) في قوله عليه السلام: «وغُمِّضَ ومُدِّدَ وَوُجِّهَ وَجُرِّدَ»

90 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 01-01-2025

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل

الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:

جُرِّد
تدلُّ مادَّة (جُرِّد) في اللُّغة على التَّعرية من الشَّيء. جاء في (العين): «الجَرَدُ: فضاء لا نبات فيه، اسم للفضاء، فإذا نعتَّ به قلتَ: أَرض جرداء، ومكان أَجرد، وقد جَرِدَت جَرَداً، وجَرَدها القحط تجريداً. ورجل أَجرد: لا شعر على جسده... والمُجرَّد: الَّذي أَجردهُ النَّاس فتركوه في مكان واحد... وإذا خرجت السُّنبلة من لفائفها، قيل: تجرَّدت... والجريدة: سعفة رطبة جُرِّد عنها خوصها كما يُقشأُ الورقُ عن القضيب» [1].
وجريدُ النَّخل: الَّذي يُجرد عنه الخوص. وكلُّ شيء قشَّرته عن شيء، فقد جرَّدته عنه، وتجرَّد الرَّجل: إذا تعرَّى[2].
وقال ابن فارس: «الجيم والرَّاء والدَّال أَصل واحد، وهو بُدوُّ ظاهرِ الشَّيء حيث لا يستره ساتر. ثــُمَّ يحمل عليه غيره ممَّا يشاركه في معناه. يُقال: تجرَّد الرَّجل من ثيابه يتجرَّد تجرُّداً. قال بعض أَهل اللُّغة: الجريد سَعَفُ النخل، والواحدة جريدة؛ سُمِّيت بذلك لأَنــَّه قد جُرِدَ عنها خوصها. والأَرض الجَرَد: الفضاء الواسع؛ سُمِّي بذلك لبروزه وظهوره، أَنْ لا يستره شيء» [3].
ويُقال: جَرَد الشَّيء يَجردُهُ جَرْداً، وجَرَّدَهُ: قشَّره. وجَرَد الشَّيء، يَجرُدُهُ جَرْداً: نزع عنه الشَّعر، وكذلك جَرَّدَهُ. وقد جَرِدَ، وانجرد. والجَرَد من الأَرض: مالا ينبت. وقد جَرِدَت جَرَداً. وَرَدها القحط. وسنة جارود: مقحطة. ورجل جارود: مشؤوم منه كأَنــَّه يُقَشِّرُ قومَه، ورجل أَجرد: لا شعر عليه، وخدٌّ أَجرد كذلك، وتجرَّد من ثوبه، وانجرد: تعرَّى [4].
وقال الزَّمخشريّ: «جَرَّده من ثيابه... ومن المجاز: جُرِّد السَّيف من غمده، وسيف مُجرَّد، كقولهم: سيف عريان، ورجل أَجرد: لا شعر على جسده... وضربه بجريدة، أَيْ: سعفة جُرِّدت من الخوص... » [5].
وتطابقت دلالة الفعل (جُرِّد) في الخطبة مع دلالته اللُّغوية؛ إذ أَورده أَمير المؤمنين (عليه السلام)  مرَّةً واحدة، جاء فيها مبنيّاً للمجهول، وعلى زنة (فُعِّلَ)، وهو رابع الأَفعال الَّتي أَوردها أَمير المؤمنين (عليه السلام)  في بيان ما يحصل على الإنسان الميِّت في المغتسل بعد موته، فبعد أَنْ يُبَاشر بإغماض عينيه، وتُمدَّ يداه ورجلاه، ويُوَجَّه إلى القبلة، يُعمد إلى تجريده من ثيابه، إذ قال (عليه السلام): «وغُمِّضَ ومُدِّدَ، وَوُجِّهَ وَجُرِّدَ، وَغُسِّلَ وَنُشِّفَ، وسُجِّيَ وَبُسِطَ لَهُ، وَهُيِّءَ وَنُشِرَعَلَيْهِ كَفَنُهُ، وَشُدَّ مِنْهُ ذَقْنُهُ، وَقُمِّصَ وعُمِّمَ، وَلُفَّ».
وقد ذكر الفقهاء في رسائلهم العمليَّة لتغسيل الميِّت سُنناً مستحبَّة، قبل أَنْ يُوْضَع الميِّت في حال التَّغسيل على مكان مرتفع من سرير أَو دكَّة، وأَنْ يكون تحت الظِّلال، وأَنْ تُمدَّ يداه ورجلاه، وأَنْ يوجَّه إلى القبلة، وأَنْ يُنْزَعَ قميصُه من طرف رجليه، وإنْ استلزم فتقه مع إذْنِ الوارثِ فيه[6].
وما قيل في الفعل (جذبت نفسه) يقال ــ هنا ــ مع الفعل (جُرِّد) في بنائه للمجهول؛ فقد بني للمجهول لأَمرين. أَحدهما: التَّركيز على الحدث، وهو أَنْ يُجرَّد الميِّت من ثيابه، والآخر: أَنــَّه لا يُعلَمُ مَنْ سيقوم بذلك، ولكنــَّه حاصل لا محالة.
وهذا الفعل (جُرِّد) جاء على زنةَ (فُعِّلَ) ــ كما تقَّدم ــ ولهذه الصِّيغة معانٍ ذكرها العلماء، ومنها: الجَعْلُ [7]، وهو معنىً متحقِّق في الفعل (جُرِّد)، أَيْ: جُعِلَ الميِّتُ مُجرَّداً من ثيابه.
و(جُرِّد) فعل ماضٍ مبنيٌّ على الفتح، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو، عائد إلى (من جذبت نفسه). وجملة (جُرِّد) معطوفة على جملة (وُجِّه).)([8]).

الهوامش:
[1]. العين: 1/470. وينظر: تهذيب اللغة: 3/473، والصحاح في اللغة: 1/86، والمحيط في اللغة: 2/97، ولسان العرب: 3/115، والمصباح المنير: 6/89، والقاموس المحيط: 1/265، وتاج العروس: 1/1921و 1922.
[2]. ينظر: جمهرة اللغة: 1/216.
[3]. معجم مقاييس اللغة: 1/403.
[4]. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم: 3/263.
[5]. أساس البلاغة: 1/58.
[6]. ينظر: منهاج الصالحين (للخوئي): 77، وموجز الفتاوى المستنبطة (للغروي): 96، ومنهج الصالحين (للسيد الصدر): 70، وسبل السلام (لليعقوبي): 109.
[7]. ينظر: الفعل (فَرَّدتُه) من الكتاب.
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص205-208.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2880 Seconds