من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة علف الإبل واجترارها وعطشها

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة علف الإبل واجترارها وعطشها

29 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-02-2025

3- يَخْضِمْون/ قال عليه السلام ((إِلَى أنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ، نَافِجَاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلهِ وَمُعْتَلَفِهِ، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللهِ خَضْمَ الإبل نِبْتَةَ الرَّبِيعِ))

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:
الخَضْم الأكل والمضغ بأقصى الأضراسِ([1]). وهو مَلء الفم بالمأكول([2]). والخَضْم للإنسان بمنزلة القَضْمِ من الدابة([3]). واستعمل الإمام لفظة (يَخْضِمون) و (خَضْمَ) مرة واحدة لكلٍ منهما؛ للدلالة على أكلِ أموال المسلمين مشبهاً ذلك بخضم الإبل نبت الربيع. يقول (عليه السلام) في سياق وصف الخليفة الثالث (عثمان بن عفان): ((... إِلَى أنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ، نَافِجَاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلهِ وَمُعْتَلَفِهِ، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللهِ خَضْمَ الإبل نِبْتَةَ الرَّبِيعِ...))([4]). والنص يشير إلى نهوض الخليفة (عثمان بن عفان) بأمر الخلافة؛ ليكون ثالث الخلفاء الذين أطلق عليهم الإمام (عليه السلام) لفظ (القَوْم)، للدلالة على معنى الجماعة([5]) التي اجتمعت لاختيار الخلفاء، ومنهم الخليفتان (أبو بكر وعمر). وقد أشار الإمام بلفظ (القيام) إلى نهوض الخليفة (عثمان بن عفان) بأمر الخلافة وتقلدها. في حين أنه استعمل لفظة (قَامَ) الثانية؛ للدلالة على تزعم أقرباء الخليفة من بني أمية الأمر معه، وتقلدهم المناصب الرفيعة في الدولة الاسلامية آنذاك تسلطاً وغصباً. ولهذا استعمل الإمام مفردة (يَخْضِمون) التي تدل على الأكل عامة، بل الأكل بملء الفم كما تذكر المدونات اللغوية([6]). كأنّه (عليه السلام) يشبههم بالإبل التي تخضم نبت الربيع بملء فمها، أو بأقصى أضراسها. واللاّفت للنظر أنّ الإمام يجعل هؤلاء الناس يخضمون كخضم الإبل للنبت.مستعملاً لفظ (الخَضْمَ) للأبل،  في حين أن اللغويين يذكرون أن الخَضم للإنسان، والقَضْمَ للدابة([7]). وقد سوغ أصحاب غريب الحديث والمعجميون هذا الأمر في كلامه الذي ذكروه في مصنفاتهم، ذاكرين أن لفظة (يَخْضِمُون، وخَضْم) في حديث عليِّ (عليه السلام): ((وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللهِ خَضْمَ الإبل نِبْتَةَ الرَّبِيعِ))([8]) تدل على الأكل بأقصى الأضراسِ([9]).

وتبدو مفردتا (يًخْضِمُون) و (خَضْم) أشد دلالة في الأكل واستهلاك الطعام، وفي مجال المفاضلة بين مفردتي (خَضْم) و (قَضْم)، تبدو الأولى أكثر إيحاء في الاتيان على ما يؤكل. وقد ذكر أبو عبيد القاسم بن سلام أن (الخَضْمَ) أشد في المَضْغ وأَبْلَغ من القَضْم([10]). فالقَضْم يكون بأدنى الأضراس، والخَضْم   بأقصاها([11]). ولما كان السياق يتحدث عن حال التسلط الذي عم في أيام الخليفة (عثمان بن عفان)، من خلال سيطرة أقربائه وولائجه على أجزاء الدولة الاسلامية، واستئثارهم بالحقوق والضياع والأراضي، لهذا شبههم الإمام (عليه السلام) - كما ذكرت سلفاً - بالإبل التي تخضم نبت الربيع من جهة إتيانها على كل شيءٍ من النبت، فكما تستطيب هذهِ الدواب نبت الربيع لغضاضته ورطوبته واخضراره. فإن هؤلاء جعلوا مال الله خَضِيْمَةً ([12]) مستطابة لهم. يتناولونها متى شاؤوا. وهم في سعة ورغد من العيش. كأن رغدهم هذا متأتٍّ من كثرة ما حازوه من أموال، وأراضٍ لم تكن من حقِّهم  أو من أموالهم. وتوحي مفردة (خَضْم) دلالات بشدةِ النهم، والرغبة في الامتلاء. كأنهم اجتمعت فيهم الصفتان؛ صفة النهم وكثرة الأكل، والسعي إلى ملءِ أفواههم من الطعام مع ملاحظة أن طعامهم كان من أطيب الطعام وأشده غضارة، والصفة الثانية وهي المتقدمة عندي على سالفتها، هي أخذ مال الله وأموال المسلمين، والسيطرة عليها بشدة لا تختلف عن شدة رغبتهم في الأكل عندهم وعدم الشبعِ.
وقد إشار شارحو النهج إلى هذهِ الخصال عند بني أمية المقرّبين من الخليفة (عثمان بن عفان)، فذكر ابن أبي الحديد جمهرة من الأخبار عن تسلط الأمويين على الناس، وتوليهم الولايات، وحصولهم على القطائع في زمنه([13]))([14]).

الهوامش:
([1]) ينظر: العين (خضم): 4/179، وتهذيب اللغة (خضم): 7/56.
([2]) ينظر: المحكم (خضم): 5/47.
([3]) نفسه.
([4]) نهج البلاغة: خ/3: 30.
([5]) ينظر: لسان العرب (قوم): 12/505.
([6]) ينظر: لسان العرب (خضم): 12/182، 183.
([7]) نفسه: 12/183.
([8]) ينظر: النهاية في غريب الحديث: 2/44، ولسان العرب (خضم): 12/183.
([9]) نفسه.
([10]) ينظر: غريب الحديث (أبو عبيد): 4/187.
([11]) ينظر: غريب الحديث (أبو عبيد): 4/187.
([12]) الخَضيمة النَّبْتُ إذا كان رطباً أخضرَ. ينظر: العين (خضم): 4/179، والمحكم (خضم): 5/47.
([13]) ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 1/192، 193، وشرح نهج البلاغة (البحراني): 1/180، 181، والديباج الوضي: 1/218.
([14]) لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 110-113.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3423 Seconds