من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((قُمِّصَ)) في قوله عليه السلام: «وَقُمِّصَ وعُمِّمَ، وَلُفَّ»

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((قُمِّصَ)) في قوله عليه السلام: «وَقُمِّصَ وعُمِّمَ، وَلُفَّ»

212 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 04-06-2025

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل

الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:
قال ابن فارس: «القاف والميم والصَّاد أَصلان: أَحدهما يدلُّ على لُبْسِ شيء والإنشيام فيه، والآخر: على نَزْوِ شيء وحركة.
فالأَول: القميص للإنسان معروف. يُقال: تقمَّصه، إذا لَبِسه، ثــُمَّ يُستعار ذلك في كلِّ شيء دخل فيه الإنسان، فيُقال: تقمَّص الإمارة، وتقمَّص الولاية. وجَمْعُ القميص أَقمصة، وقُمُص» ([1]).
والقميص: معروف، يُذًكَّر ويُؤنَّث. وتقمَّص قميصه: لَبِسَهُ، وقَمَّصَهُ تقميصاً أَلبسه قميصاً، فتقمَّص هو([2]).
وجاء هذا الفعل (قُمِّص) مرَّةً واحدة في الخطبة بمعنى (لبس القميص)، وهو ثاني عشر الأَفعال الَّتي أَوردها أَمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان ما يحصل على الإنسان الميِّت في المغتسل بعد موته، إذ قال (عليه السلام): «وغُمِّضَ ومُدِّدَ، وَوُجِّهَ وَجُرِّدَ، وَغُسِّلَ وَنُشِّفَ، وسُجِّيَ وَبُسِطَ لَهُ، وَهُيِّءَ وَنُشِرَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ، وَشُدَّ مِنْهُ ذَقْنُهُ، وَقُمِّصَ وعُمِّمَ، وَلُفَّ».
و(قُمِّص) مرحلة من مراحل عمليَّة نَشرِ الكفن على الميِّت واستيلائه عليه، وهي لبس القميص، والقميص هو القطعة الثــَّانية من قطع الكفن الثــَّلاث، وتكون ما بين المنكبين إلى نصف السَّاق ــ كما تقدَّم ــ ([3]).
وجاء الفعل (قُمِّص) مبنيّاً للمجهول، وعلى زنة (فُعِّلَ). وبني للمجهول لأَمرين، أَحدهما: التَّركيز على الحدث، وهو لبس القميص من أَجزاء الكفن للميِّت، والآخر: أَنــَّه لا يُعلَمُ مَنْ سَيُلْبسه تلك القطعة، إلاَّ أَنــَّه أَمرٌ لابُدَّ منه.
أَمَّا مجيئه على زنة (فُعِّل)، فقد ذكر العلماء أَنَّ لهذه الصِّيغة معاني كثيرة([4])، ومنها: الجَعْلُ، وهو معنىً متحقِّق في الفعل (قُمِّص)، أَيْ: جعل الميت مرتدياً قميصاً، أَيْ: أُلبس قميصاً.
و(قُمِّص) فعل ماضٍ مبنيٌّ للمجهول، مبنيٌّ على الفتح، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً، تقديره هو، عائد إلى (مَنْ جذبت نفسه). وجملة (وقُمِّص) معطوفة على جملة (وشُدَّ منه ذقنه))([5]).

الهوامش:
([1]). معجم مقاييس اللغة: 5/21. وينظر/: تهذيب اللغة: 3/161، والصحاح في اللغة: 2/95، ومفردات ألفاظ القرآن: 684، ولسان العرب: 7/82، وتاج العروس: 1/4520.
([2]). ينظر: المحيط في اللغة: 1/447، والمحكم والمحيط الأعظم: 2/500، والقاموس المحيط: 2/174.
([3]). ينظر: الفعل (يُنشَر) من الكتاب.
([4]). ينظر: الفعل (فرَّدته) من الكتاب.
([5]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص223-225.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2905 Seconds