مجلة المبين العدد الحادي عشر

الإصدارات

مجلة المبين العدد الحادي عشر

170 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 05-05-2025

الحمد لله الذي مَنَّ علينا بنعمة الإيمان وجعلنا من موالي سيد الأنام وآل بيته الكرام صلوات الله عليهم أجمعين. وبعد:
مرت أشهر طويلة من التحديات الصحية العالمية جرَّاء الوباء العالمي المسمَّى (كوفيد كورونا 19)، مسَّت صميم الحياة وأفقدتنا أحباءنا وغيَّرت أسلوب حياتنا الاجتماعية والعلمية، غير أن الإنسان المؤمن عليه أن يجتهد في أدائه على أمثل ما يكون، ويبتكر آليات عمل جديدة على مختلف الصعد، ومنها المجالات العلمية فعجلة الحياة لا تتوقف.
ومن هنا اعتمدنا أسلوبًا جديدًا لم نعهده من قبل في الندوات والمؤتمرات العلمية والنشر العلمي للمجلات يضمن التباعد الاجتماعي قدر المستطاع، فكان أن قلَّ الحضور العياني ولم يقل الجهد العلمي، وحلَّ محله النشر الإلكتروني ضمانًا لسيرورة العمل وتواصلًا مع كتَّابنا وطلاب المعرفة؛ فكان أن صدر العدد الماضي وطبع تحت هذه الوطأة الشديدة التي مسَّت الصحة والمال على السواء، وها هو اليوم بفضل الله نطل عليكم -أعزاءنا القرَّاء ومريدي علوم نهج البلاغة- بهذا العدد الجديد من مجلتكم (المبين)، الذي نتشرف أن يكون نوعيًّا كما نتأمل في خدمة الإرث العلوي الخالد. وإن مما يسر أن يجتهد الباحثون دائما في البحث عما هو جديد قدر المستطاع في هذا الإرث الخالد الذي يستقي من القرآن الشريف؛ لذلك لا ينضب مهما نهل منه الباحثون وكتب فيه أهل العلم، ونسعد أن نقدم شيئًا مكملًا لما سبق من الأعداد الماضية للمجلة؛ لأننا نعتقد أن العلوم المختلفة التي تتبنى سياسة مجلة المبين نشرها تكمل بعضها بعضًا، وإن كنا طموحين في التركيز أكثر على الجوانب التطبيقية العلمية المحضة في علوم الصحة والجيولوجيا والفلك ونحو ذلك في الأعداد القادمة إن شاء الله.
وهذا العدد الجديد تضمَّن ملفًّا ألقى الضوء على أخطر ما يواجه هويتنا الإسلامية ومجتمعنا هي قضية الإلحاد ومظاهره المتطرفة، ففي نهج البلاغة وقفات مبينة في الرد بتقديم الدليل على بطلان هذه الأفكار، فهي أفكار ليست جديدة في عصرنا؛ بل قديمة قال بها الوثنيون واللادينيون.
وقد أشار القرآن العزيز إلى الذين أرادوا الدنيا ولم يعترفوا بالآخرة قال تعالى ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية 24]. وقد فنَّد القرآن الكريم زعمهم في أكثر من موقف، ومن العجب في هذا العصر التنويري المبني على توضيح العلل نكران الصانع الخالق أو القول بصدفة الخلق، والأعجب منه أن تنشر مثل تلك الأفكار المتطرفة ويتم تبنيها من دون علم لا لشيء إلا لضرب وحدة الصف من داخل المجتمع المؤمن.
وحفل نهج البلاغة في تقديم البراهين الدالة والبينات الواضحة لكل ذي مسكة من عقل التي تثبت أحدية الخالق، وأن للكون وهذا الخلق صانعًا واحدًا وخالقًا لا ينكره إلا المعاندون.
وإن مما ينبغي الإشارة إليه أن أغلب خطب الإمام (عليه السلام) وإن تناولت موضوعات في خلق الإنسان أو الحيوان أو ذكر النبات أو خلق الأرض والسماء كلها تتضمن في نهايتها إثبات الخالق، وأن خالق النملة هو خالق النخلة كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام). ولذلك أخذ هذا العدد على عاتقه نشر البحوث الرصينة في تناول مختلف هذه القضايا التي تظهر الحق وتبطل الباطل، وليفتح بذلك بوابةً من المعارف لا تنتهي حول الموضوع. ومما تجدر الإشارة إليه أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تصدَّوا كثيرًا لمثل هذه الحركات الفكرية المتطرفة كالإلحادية والثنوية والزندقة والظاهرية وغيرها، وكان لعلوم أهل البيت وتلاميذهم الرد الحاسم في صون الفكر التوحيدي عما يشينه في مجتمع التوحيد، فهم زادٌ معرفيٌّ إنسانيٌّ لا ينضب، وقيمته في الحاجة الفعلية للإنسان إليه دائما. ومما استبطن تراثهم (عليهم السلام) من أسرار لم يتعلق بفنون القول فحسب؛ بل في رياداتهم المختلفة، فأمير المؤمنين علي (عليه السلام) كان وحده أمة من العطاء وقيم النبل والإيثار، فقد رسم الاستراتيجية السليمة لقيادة الأمة، فله في ذلك إشارات سجلتها الكتب ووثقتها أقلام العلماء، ومن هنا تسعى مؤسسة علوم نهج البلاغة ومن خلال مجلتها (المبين) إلى الكشف عن هذه الدرر العلوية الثرية بما يحتاجه عالمنا اليوم وأجيال أبنائنا من هذا السفر العجيب.
ونستثمر المناسبة دائما في استنهاض همم الكتَّاب والمبدعين ونذكِّرهم بأنَّ مجلتهم رائدة في هذا المجال فتدعوهم إلى إغناء الدراسات العلمية بمثل ذلك، فسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) وكلامه المجموع فيه الغنى لما يبتغي المجتمع والجيل الجديد وما على العلماء والباحثين إلا إعمال الفكر وتفعيل الأقلام بالدرس والتحليل والاستقصاء والاستنتاج والتعليل مما تحتاجه أجيال اليوم من فكِّ عُقد هذا العصر الذي نعيشه.
يشرفنا على الرغم من التحديات القاتلة أن يطلَّ العدد الحادي عشر من عمر مجلة (المبين) من جديد لنضعه بين أيدي القراء وطلاب المعرفة الحقة، في بادرة جدية لمحاربة الأفكار الضالة صونًا للنفس والعقل وتشويه الحقائق. والله تعالى ندعو ونسأل من سبحانه السداد في خدمة العلم وأهله، فنحن نرمي إلى الأخذ بيد القارئ نحو الحقيقة وتجنب التكرار، ومحاولة تقديم الجدة في سياستها، راجين أن تكون مما يغني المكتبة بأعدادها الكثيرة المتنوعة ومنها هذا العدد؛ ليكون إضافة قيمة علمية نوعية أخرى في سلسلة الدراسات العلوية، متوخِّين في ذلك إثراء المكتبة المعرفية وإغناء الدارسين بالبحوث الرصينة ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود من الآية:88] والحمد لله رب العالمين.

عدد مرات التحميل : 38
المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2663 Seconds