بقلم: الشيخ محسن علي المعلم
((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))
وبعد:
فان الدنيا حافلة ببواعث الانشداد وتفاعل القوى، مترعة بعوامل التعلق والهوى، فيّاضة بالجمال والمغريات والمشتهى، مكمن تنزع اليه الرغائب، يحيا فيها الإنسان فتجذبه إلى حب بقائها والبقاء فيها، وتتغلغل في أعماقه فتملك عليه مشاعره، ويخلد اليها فتستهويه فلا يعقل سواها، وتأسره فتكون همه فيشتد للوله بها وامتلاك أسبابها.
وقد يرمقها عاقلاً فيحسن التعامل فيها بجميل التصرف في متعها، فتخادعه فلا ينخدع، وتغالبه فلا يغلب، بل يستولي عليها فيملكها ولا تملكه مهما فتنت وأغرت.
وحيث هي محور التنازع والصراع والافتتان والتجاذب فلا محيص للإنسان من إمداده ببصيرة نافذة، وقوة قادرة تفي له بالظفر والغلبة على كافة سبل سحرها وخداعها والركون اليها، والإنجذاب إلى مفاتنها، والسلامة من فتنها، والافادة منها دونما الافادة منه.
وهنا يتجلى دور (التربية الإلهية والهداية الربانية) فتمدانه بالحصانة وتبصرانه بمواقع الورطة والتعلق، وتنبهانه مواضع الغفلة، وتحكمان فيه القوة والاقتدار لمعرفة أخفى السبل وأخبث الحيل للوقوع في الشراك، والاصطياد في الشباك.
والإمام علي صنيعة التربية الإلهية رائد الهداية ممنوح القوى الكاملة خبير بالدين عالم بالدنيا بصير بهما يزودنا بخير الهدي ودقيق التبصير فهو كما قال عليه السلام:
«أَنَا كَابُّ الدُّنْيَا لِوَجْهِهَا، وَقَادِرُهَا بِقَدْرِهَا، وَنَاظِرُهَا بِعَيْنِهَا»[1].
فلنسر في (نهجه) ونسترشد ببليغ حكمه، ولنقتف خطاه فنسلك بذلك الصراط المستقيم فلا نضل ونأمن الحيرة والعثار.
1) الدنيا دار الابتلاء:
«وَأَهْبَطَهُ إلى دَارِالَبَلِيَّةِ، وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ»[2].
فالدنيا إنما خلقت محطة للابتلاء والامتحان {الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}[3].
والذرية عامل من عوامل الفتنة فيها.
2) حلاوتها المضلة:
«وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتَ الدُّنْيَا في أَعْيُنِهمْ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا»[4].
فنكثوا لذلك بيعتهم، وتخلوا عن صفقة يمينهم، وتنكروا للحق الذي عرفوه، حباً منهم لحلاوة الدنيا، واستجابة لبريق زبرجها) [5].
الهوامش:
[1] خ 128 /186.
[2] خ 1 /43.
[3] سورة الملك /2.
[4] خ3 /49-50.
[5] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص102-103.