بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي
الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
وبعد:
فأن مما ورد في نهج البلاغة حول الدنيا أنه عليه السلام ذكرها في خطبة وفيها يحذر من اتباع الهوى وطول الأمل في الدنيا، يقول عليه السلام:
أَلَا وإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَصَرَّمَتْ ... – إلى أن يقوله عليه السلام في نعم الله :-
وتَاللَّه لَوِ انْمَاثَتْ قُلُوبُكُمُ انْمِيَاثاً وسَالَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَةٍ إِلَيْه أَوْ رَهْبَةٍ مِنْه دَماً ثُمَّ عُمِّرْتُمْ فِي الدُّنْيَا مَا الدُّنْيَا بَاقِيَةٌ مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ عَنْكُمْ ولَوْ لَمْ تُبْقُوا شَيْئاً مِنْ جُهْدِكُمْ أَنْعُمَه عَلَيْكُمُ الْعِظَامَ وهُدَاه إِيَّاكُمْ لِلإِيمَانِ[1]
شرح الألفاظ الغريبة:
انماثت انمياثاً ذابت ذوباناً[2].
شرح ابن ميثم البحراني:
وأمّا الثالث: وهو التنبيه على عظيم نعمة الله تعالى على العباد، فنبّه عليه أنّ كل ما أتوا به من الأعمال التي بذلوا جهدهم فيها في طاعة الله – وما عساه يمكنهم أن يأتوا به منها – فهو قاصر عن مجازاته نعمه العظام، وقد سبق بيان ذلك، ورتّب المطلوب صورة شرطية متصلة أيضاً مقدمها مركب من أمور:
احدها: قوله: ((لو انماثت قلوبكم)): أي ذابت خوفاً منه ووجداً منه، وكنّى بذلك عن أقصى حال الخائف الراجي لربّه في عبادته.
الثاني: قوله: ((وسالت عيونكم دماً)) وهو كالأوّل.
الثالث: قوله: ((ثمّ عمرتم في الدنيا ما الدنيا باقية)): أي مدّة بقاء الدنيا.
وتاليها: قوله: ((وما جزت اعمالكم)) إلى آخره: وأنعمه: منصوب مفعول جزت؛ وهداه في محصل النصب عطفاً عليه، وإنّما أفرد الهدى بالذكر وإن كان من الأنعم لشرفه؛ إذ هو الغاية المطلوبة من العبد بكل نعمة أفيضت عليه، فإنّه لم يخلق ولم يفض عليه أنواع النعم الإلهية إلاّ لتأهّل قلبه، ويستعدّ نفسه لقبول صورة الهدى من واهبها، فيمشي بها في ظلمات الجهل إلى ربّه، ويجوز بها عقبات صراطه المستقيم، وأكد ملازمة هذه المتصلة بالقسم البار، وكذلك المتصلة السابقة وفائدة هذا التنبيه بعث الخلق على الشكر، وتوفير الدواعي على الاجتهاد في الإخلاص لله؛ حياءً من مقابلة عظيم إنعامه بالتقصير في شكره والتشاغل بغيره. وبالله التوفيق[3])([4]).
الهوامش:
[1] نهج البلاغة لصبحي صالح: 89 – 90/ ضمن الخطبة رقم 52، وفي نهج الشيخ العطار: 111- 112/ ضمن الخطبة رقم 52، وشرح نهج ابن ميثم 2: 138/ خطبة رقم 51، ونهج محمد عبده 1: 111.
[2] شرح الألفاظ الغريبة: 582.
[3] شرح نهج ابن ميثم البحراني 2/ 141- 142/ شرح الخطبة رقم 51.
([4]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 46-47.