بقلم: د. قاسم خلف السكيني.
الحمد لله رب العالمين، عليه نتوكل وبه تعالى نستعين، سبحانه (الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره، ولا قلب من أثبته يبصره). وصلوات ربي الزاكيات، وسلامه الموفور بالخير والبركات، على خير خلقه، وخاتم رسله، محمد وعلى آله الطاهرين.
وبعد:
قال عليه السلام: تَذِلُّ الأُمُورُ للمَقاديرِ حَتَّىَ يكُونَ الَحتْفُ فيِ التَّدبيرِ[1]
الحتف: الموت وقضاؤه، ويقال مات فلان حتف أنفه: بلا ضرب ولا قتل[2] والمعنى المستفاد من هذه لحكمة إن الله سبحانه بيده مقاليد الأمور، وتقديرها، يسرها، وعسرها. وربما ظن الإنسان أنه أحكم أمراً ما، وإذا بالمقادير تجري خلاف ذلك. وورد في المعارج: (من قدر الله هلاكه فإن تدبيره يؤدي إلى تدميره). يستفاد من هذا عجز الإنسان، ومحدودية قدرته، وإن قدرة الله سبحانه هي النافذة.
وفي ما يخص الرواية، فإن في روايتي العيون وشرح الغرر ضعفا أسلوبيا يتمثل في تكرار مرادف الموت مرتين، فالمقدار والحتف، مرادفان للموت ومن أسباب ضعفهما أيضا تركيبهما الصوتي إذ تتوالى القافات والغين ولا نجد مثل هذا التكرار في النهج، كما أن كلا الروايتين رواية أحادية لذا استبعدتا، وكذلك رواية (المقادير تجري بخلاف …) فهي أحادية أيضا ولما كانت أكثر الشروح متفقة على روايتها بلفظ المتن، فمن باب أولى ترجيحها)[3].
الهوامش:
[1] وردت في العيون ص 554: (يغلب الإقدار على التقدير حتى يكون الحتف في التدبير)، وفي الصفحة ذاتها: (يجري القضاء بالمقادير على خلاف الاختيار والتدبير)، وفي شرح الغرر (يغلب المقدار… الخ) 6/477، وفي موضع آخر من شرح الغرر 7/319: (المقادير تجري بخلاف التقدير والتدبير). وسائر الشروح روت الحكمة بلفظ المتن كما في: الحدائق 2/605، والمنهاج 3/265، والمعارج ص 401، والترجمة 2/422 وشرح ابن أبي الحديد 18/120، وشرح البحراني 5/246، والمصباح ص580. وفي شرح مائة كلمة 1/ 180: (إذا حلت المقادير ضلت التدابير)، وكذلك في التنميق (شرح مائة كلمة 2/55، ومطلوب كل طالب (شرح مائة كلمة 3/36).
[2] العين: (حتف)3/193.
[3] لمزيد من الاطلاع ينظر: شرح حكم الإمام علي وتحقيقها من شروح نهج البلاغة: للدكتور قاسم خلف مشاري السكيني، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص42-43.