من ألفاظ إيرادات الدولة في نهج البلاغة 1- الجـِّـزْيَةُ

مقالات وبحوث

من ألفاظ إيرادات الدولة في نهج البلاغة 1- الجـِّـزْيَةُ

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 05-11-2023

بقلم: الدكتور سحر ناجي المشهدي

الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..

اما بعد:
ما يفهم من كلام الإمام (عليه السلام) أنَّ الغرض من الجِّزية هو توفيرُ بَدل الحماية من العدُّو الخارجي؛ لعدم فرض الجهاد الإسلامي على غير المسلمين، وهي إسهام مالي؛ لتوفير وتيسيير واردات الدَّولة إضافةً إلى الواردات الأخرى كـ(الخَراج والزَّكاة والعُشور والخُمس...الخ). وقد وردت هذه اللفظة مرة واحدة في نهج البلاغة[1].
لِتَدُّل على المعنى المجازي: وهو أخذ المَّال، ويُبَرِرُ الإمام (عليه السلام) أخذها بقوله: « إنَّما بذلوا الجِّزيَة لتكون دماؤهم كدمائِنا وأموالهم كأموالنا» وتعدُّ بَدَلاً عن توفير الحِماية لغير المُسلِمين من العدّو الخارجي،  أو أيّ اعتداءٍ يُشَكِلُ خَطَرا لهم،  وتقابل الزَّكاة،  والخُمْس،  وغيرها من الضَّرائبِ التي تؤخذ من المُسْلِمين. أمَّا الشروط الواجب توافرها فيمن تؤخذ منهم، فتؤخذ من المتمكنين اقتصاديا،  ومِمَّنهم قادرون على حَمْلِ السلاح بين(15ـ 45)عام، وتتفاوت وفقا لإمكانياتهم المادية،  والاقتصادية.  إذ تتراوح بين اثني عشر درهماً للفقراء وثمانية وأربعين درهماً للأغنياء وأوساطهم أربعة وعشرون درهمُا[2].
   وقد حرص الإمام (عليه السلام) على أخذها، وإن كانت على شكل أمتعة وعروض، كما فعل الرسول من قبله إذ أخذ الجزية متمثلة بالمنتوجات من الإبر والمُسال والحِبال، ولم تؤخذ من المسكين،  ولا الأعمى،  ولا الذمي الذي يتصَّدق عليه،  ولا مُقعَد إذا لم يكن له مردود من المَّال[3].  وفي هذا يقول (عليه السلام): «وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ،... وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَراجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ» [4].  فجاءت مجرورة؛ لإضافتها الى (أهل) مع أنها توحي بالقرب والوطن، وأهل الجزية هم طبقة من طبقات المجتمع السائد آنذاك، و(من) بيانية لتوضح أن (أهل الجزية والخراج) هم من (أهل الذمة ومسلمة الناس).  وقد وردت فريضة الجزية في القران الكريم لقوله تعالى: ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾[5].
فتقسيمه للرَّعية على طبقاتٍ وفئاتٍ يومئ فيه إلى حمايةً الحقوق من الاعتساف والاعتداء،  والتشريع في الاسلام لله وحده، (فأهل الجزية... من أهل الذمة) هم أهل الكتاب الذين يقبلون شروط المسلمين[6]
 وجَزَى يَجْزِي جَزَاء، أي: كافأ بالإحسان وبالإساءة، وفلان ذو غِناء وجَزاءٍ، وتَجَازيتُ دَيْني:  تقاضيته[7].
فأصوله» الجيم والزاء والياء: قيام الشَّيء مقام غيره ومكافأته إياه. يقال جزيت فلانا أجزيه جزاءً، وهذا رَجُلٌ جازيك من رجلٍ أي حسبك.  ومعناه أنَّه ينوب مناب كلَّأحدٍ، كما تقول كافيك وناهيك»[8].
و الجَّزاء: المكافأة على الشَيءِ، جزاه به وعليه جزاء وجازاه مجازاة وجزاء[9]،  وفي الدعاء (جزاه الله خيرا) أي قضاه له وإثابة عليه، و(الله يجزيك عني ويجازيك)، وكما تجازي تجازى، وقد يستعمل (أجزأ)  بالألف والهمز بمعنى واحد،  وجازيته بذنبه:  عاقبته عليه،  وجزيت الدًين:  قضيته[10].
وهي مشتقة من الجزاء والمجازاة، هي الخراج المجعول على أهل الذِّمة[11].
وتُعَد فريضة مالية، تُفرَض جبرا على الرؤوس ممن يدخل في ذمة المسلمين من أهل الكتاب وما في حكمهم، مقابل توفير الحماية والأمن لهم، وتؤخذ مع بقائهم على دينهم، وتسقط بالدخول في الإسلام، وتفرض على الرِّجال الأحرار العقلاء، يعفى منها الصبيان والنساء والشيوخ والمرضى والمؤمنون [12].
والفرق بين الجِّزية والخَراج هو ان: «الجزية بمنزلة مال الخراج»[13].
  قال الماوردي: الجِزْيَة والخَراج حقان أوصى الله تعالى المسلمين اليهما من المشركين يجتمعان من ثلاثة أوجه، ويفترقان من ثلاثة أوجه، فأوجه اجتماعهما، فكلُّ واحدٍ منهما مأخوذ من مشرك صغارا له، ويُصْرَفان في أهل الفيء، ويوجبان مع حلول الحَوْل، وافتراقهما بينهما فالجِزيَة نَصٌ، والخَراج اجتهاد، وأقلُّ الجِزية مُقَدَّر بالشَرع وأكثرها بالاجتهاد والخَراج قليله وكثيره مُقَدر بالاجتهاد، والجِزيَة تؤخذ مع بقاء الكفر وتسقط بالدخول في الإسلام، أمَّا الخَراج فيؤخذ مع الكفر والإسلام[14].
وقد اشتق العربُ الجِزيَة من الجَزَاء، وجمعها جِزَىٍ.  والجِزيَةُ في الإسلام هي ما يؤخذ من أهل الذِّمة.  أي المَّال الذي يعقد الكتابي عليه الذِمة.  وهي فِعْلَة من الجَزاء كأنما جزت عن قتله، وهي ضريبة مادِية قليلة فهي مقابل ضريبة الدَّم التي يدفعها المسلم لحماية أهل الذمة الذين ارتضوا أن يعيشوا في كنف المسلمين[15]،  وتؤخذ من غير المسلمين في الدَّولة الإسلامية.)[16].

الهوامش:
[1] ظ:  المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة:  618.
[2] ظ:  حقوق الانسان عند الإمام علي (عليه السلام):  غسان السعد:  134.
[3] ظ: كتاب الخراج: ابو يوسف: 129.
[4] نهج البلاغة: ك 53، 324.
[5] التوبة / 29.
[6] ظ: العين (مادة جزي):  6/ 164.
[7] ظ: في ظلال نهج البلاغة.  5 / 397.
[8] مقاييس اللغة: 1 / 456.
[9] ظ: لسان العرب (مادة جزى):  1 / 620.
[10] ظ: أساس البلاغة: 1 / 138.
[11] معجم المصطلحات المالية والاقتصادية: 164.
[12] النظم الإسلامية: حسن الحكيم: 134.
[13] كتاب الخراج: ابو يوسف: 68.
[14] ظ: الجزية وأحكامها: الكلانتري:  1 / 18 ـ 20 وظ:  الأحكام السلطانية والولايات الدينية:  الماوردي:  153.
[15] ظ: التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن: 384.
[16]لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 167-170.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2656 Seconds