الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام في خطبة له (عليه السلام) في قدرة الله

سلسلة قصار الحكم

الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام في خطبة له (عليه السلام) في قدرة الله

361 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 19-02-2024

بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي

الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد:
الْحَمْدُ لِلَّه الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ و([1])الْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ مَنْصَبَةٍ، خَلَقَ الْخَلاَئِقَ بِقُدْرَتِهِ – إلى أن يقول عليه السلام في فضل القرآن - فَالْقُرْآنُ آمِرٌ زَاجِرٌ وصَامِتٌ نَاطِقٌ ... واعْلَمُوا أَنَّه لَنْ يَرْضَى عَنْكُمْ بِشَيْءٍ سَخِطَه، عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، ولَنْ يَسْخَطَ عَلَيْكُمْ بِشَيْءٍ رَضِيَه مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ - وإِنَّمَا تَسِيرُونَ فِي أَثَرٍ بَيِّنٍ، وتَتَكَلَّمُونَ بِرَجْعِ قَوْلٍ قَدْ قَالَه الرِّجَالُ مِنْ قَبْلِكُمْ - قَدْ كَفَاكُمْ مَئُونَةَ دُنْيَاكُمْ وحَثَّكُمْ عَلَى الشُّكْرِ، وافْتَرَضَ مِنْ أَلْسِنَتِكُمُ الذِّكْرَ([2])

شرح الألفاظ الغريبة
المنصبة: - كمصطبة - التعب([3]).

الشرح:
حمد الله باعتبار كونه معروفاً بآيات آثاره عند العقول المعرفة المنزهة عن إدراك البصر المختص بالأجسام ولواحقها، ثم باعتبار كونه خالقاً وموجوداً الإيجاد المنزه عن المتاعب لاستلزامها الآلات المستلزمة للجسمية التي من شأنها الضعف والنهاية في القوة.
وقد وصف القرآن الكريم بالأضداد المتعادية لاختلاف الاعتبارات: فالآمر مع الزاجر، وإطلاقهما عليه مجاز من باب إطلاق اسم السبب على المسبب إذ الآمر والناهي هو الله تعالى، والصامت مع الناطق، وإطلاق لفظ الناطق عليه مجاز، إذ الناطق هو المتكلم به من باب إطلاق اسم المتعلق على المتعلق.
وقوله: ((أنه لن يرضى عنكم شيء سخطة على من كان قبلكم...)) إلى قوله ((قبلكم)): تأكيد وتقرير لما سبق: أي أن ما سخطه ونهى عنه الصحابة مثلاً فلن يرضى عنكم بفعله فليس لكم أن تجوزوه وتحلوه باجتهاد، وكذلك ما رضيه لهم وأمرهم به فلن يسخط عليكم بفعله حتى تحرموه باجتهاد منكم. ويحتمل أن يريد بقوله: فرضاه فيما بقي واحد وسخطه فيما بقي واحد: أي فيما بقي من الأحكام الجزئية التي لم يدل النص عليها بالمطابقة بل يحتاج إلى اجتهاد في إلحاقها بالمنصوص وإدراجها تحت النصوص، ومعنى وحدة رضاه وسخطه فيها ان الحكم المطلوب أو المكروه فيها واحد لا يجوز الاختلاف فيه حتى يحكم أحد المجتهدين في الشيء الواحد بالحل ويحكم الآخر فيه بالحرمة، ويختلف الفتاوى في  تلك القضية، لأنها إما مسخوطة او مرضي، ويكون ذلك نهياً منه عليه السلام عن الاختلاف في الفتيا كما علمت ذمه لذلك فيما سبق من الفصول ويكون قوله: ((واعلموا أنه لن يرضى عنكم...)) إلى قوله: ((قبلكم)): في معنى النهي عن رفع الأحكام الشرعية بالاجتهاد والقياس كما قررناه، وقيل: معناه النهي عن الاختلاف في الفتيا أيضاً: أي أنه لن يرضى عنكم بالاختلاف الذي سخطه ممن كان قبلكم كما أشار إليه بقوله :{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}([4])، وكذلك ليس يسخط عليكم بالاتفاق والاجتماع المرضي ممن كان قبلكم، وقيل: بل المراد أنّه يرضى عنكم بشيء سخطه ممن كان قبلكم من الاعتقادات الباطلة في المسائل الإلهيّة، ولم يسخط عليكم بشيء رضيه ممن كان قبلكم من الاعتقادات الحقّه فيها، ويكون ذلك مختصّاً بالأُصول دون الفروع.
وقوله: ((وإنّما تسيرون في أثر بيّن ...)) إلى قوله: ((قبلكم)): إشارة إلى أنّ الأدلة لكم واضحة قد تداولها الأوّلون قبلكم، فأنتم المتكلمون بها وتردّدونها رجع القول المردّد منهم.
وقوله: ((قد كفاكم مؤونة دنياكم)): كقوله تعالى: {وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ}([5]) وتلك الكفاية إما بخلقها وإيجادها، وإما برزقه بكل ما كتب له في اللوح المحفوظ، وحثه على الشكر في تكرار أوامره به، ونقل من الحسن البصري أنّه قال: إنّ الله كفانا مؤونة دنيانا وحثّنا على القيام بوظائف ديننا فليته كفانا مؤونة ديننا وحثنا على القيام بوظائف دنيانا([6])، وهو إشارة منه إلى شده التحفظ في الدين والاحتراز عليه.
وقوله: ((وافترض من ألسنتكم الذكر)): لما كان لكلّ من الجوارح عبادة كانت العبادة المفروضة باعتبار اللسان الذكر، وقد علمت أنه باب عظيم من أبواب السلوك إلى الله بل هو روح العبادات كلّها، إذ كلّ عبادة لم يشفع بالذكر فهي خداج([7]).)([8]).

الهوامش:
([1]) (الواو) ليست في نهج البلاغة لابن ميثم ونهج الشيخ محمد عبده.
([2]) نهج البلاغة لصبحي صالح: 265-266/ ضمن الخطبة رقم 183، ونهج البلاغة للمحقق الشيخ العطار: 352-353/ ضمن الخطبة رقم 183، ونهج البلاغة لابن ميثم 3: 395-398/ ضمن الخطبة رقم 182، ونهج البلاغة للشيخ محمد عبده 1: 267-368.
([3]) شرح الألفاظ الغريبة: 644.
([4]) الأنعام: 195.
([5]) إبراهيم: 34.
([6]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 10: 119.
([7]) شرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 396- 403/ شرح الخطبة رقم 182- 370/ خطبة رقم 186، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم 4: 146- 150/ خطبة رقم 228، ونهج البلاغة للشيخ محمد عبده 1: 376-383.
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 200-203.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2353 Seconds