بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد
الدعوة إلى ترك البحث عما لا يعني وعما لم يأت بعد وعما سيصير؛ لأنه مشغلة للإنسان بما لا ثمرة فيه ولا جدوى من أثره خاصة وأنه لا ينتهي إلى حد لفرض عدم حصوله وتحدده بل يبقى في إطار الاحتمالات الكثيرة والمتشعبة بما يجعل الإنسان في متاهة متعبة.
فالأفضل للإنسان والأليق به أن يعتني بأمره الفعلي فيصرف أموره ويدبر شؤونه ويبحث عما هو مفيد له في ذلك الظرف ويتابع المستجدات بما يقوم وضعه وحاله ولا يتهرب من ذلك بالتوجه إلى المستقبل الغامض الذي لا يعرف مداه ولا ثمرة التباحث فيه.
لأن ما حدث وانتهى وما يحدث فعلا، يكفي لملء فراغ الإنسان من جميع النواحي النفسية الفكرية الزمانية الاقتصادية .... ويسد عليه أوقاته التي كان يعوزها الامتلاء بما لا يترك له مجالاً للتفكير بأمور أخرى.
ولهذه الحكمة هدف سام يكتسب أهمية بالغة في الوقت الحاضر لما يعانيه العالم عموماً من أزمات ومشكلات نفسية تؤدي في بعض حالاتها إلى مالا يحمد عقباه وذلك -الهدف- هو:
إن الإمام عليه السلام يحث الإنسان على أن يكون عملياً أكثر فأكثر ولا يكون من البطالين، والمقصود من أن يكون عملياً أن يتولى مسؤوليته اتجاه نفسه وعياله: زوجة وأولاد وسائر من يلتقيه بتوجيه النصح، بمتابعة الدقائق ليضمن عدم الزلة، عدم الانحراف، عدم الخروج عن الخط الصحيح إنسانيا أو عقائدياً، لأنه لو ترك تلك الأمور لغيره فليس من المضمون أداؤه لها بكفاية إن لم يساعد على تحطيم بعض الأسس المتبقية في النفوس والأذهان مما يخلخل كيان الفرد المستقيم وعندها تكون المشكلة أكبر من أن يحتويها ويصعب وجدان الحل أو يتعسر القيام به مما يعني التأخر عن المسيرة فيعطي فرصة لأصحاب النوايا السيئة بالسيطرة والاستيلاء.
وأحسب أن من يستوعب هدف الإمام عليه السلام يوقن يقيناً صادقاً ويؤمن إيماناً راسخاً لا شك فيه أن الإمام يرعى الإنسانية ويخطط لحفظ الأجيال كي لا ينزلقوا أو ينحرفوا أو يتورطوا فهل يبقى عذر لأحد لو صار بطالاً يبحث عما لا يعنيه ويتدخل في حسابات القادم؟ مع أنه لا يضمن بقاءه حتى حصوله. فهذا درس اجتماعي تربوي يحسن بمن يريد السير وفق المنهج الصحيح استيعابه والاستفادة منه وعدم نسيانه مهما مرت السنوات)([1]).
الهوامش:
([1]) لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ص280-281.