بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد
يتعرض الإنسان لحالات تطغى في تدفق أمواجها على عقله وتفكيره فلا يعير أهمية لكثير من الملامح الفكرية ويكون ضعيفاً ومهزوز الشخصية أمام المغريات المعروضة فينسى أساسيات الموقف ومهمات القضية ولذا حذره الإمام عليه السلام من أن لا يغتر إذا تعافى؛ لأن العافية وكونه في حال صحية لا يشكو فيها مرضاً أو ألماً يغريه بالتعالي والعمل على أساس أنه غير محتاج لأحد وعنده صحة فيمكنه أن يتصرف ما شاء لا يمنعه أحد، كما يتوهم أن من حقه ممارسة أي شيء حتى المحرمات والممنوعات الشرعية أو الوضعية القانونية على أساس ما يتراءى له من نشاط جسماني يؤهله لذلك فيتعدى المقبول من التصرفات إلى المرفوض وعندها تكون النكسة؛ عقوبة له وليظهر له أن قوته وما كان يتوهمه من قابليات لا يحول دونها شيء، ومن المؤكد أن سبب ذلك الانتكاس هو تناسيه لقدرة الله تعالى وتجاوزه على القواعد الصحيحة وهذا مما لا يقبل بحال.
وأظن أن الشواهد على قوله عليه السلام ( بينا تراه معافى إذ سقم) كثيرة فكم من ماشٍ يصبح أو يمسي قاعداً أو نائماً لا يستطيع حركاً، وكم من مصارع وملاكم وحامل أثقال وما إلى ذلك مما يفتخر به أحياناً لكونه قوياً في جسده يهزم من أمامه إلا أنه في نهاية المطاف ينتهي به الأمر على كرسي متحرك، وكم من متكلم يتسابق مع غيره على إظهار قدراته اللسانية فإذا به أخرس يستعمل الإشارة وقد يصدر أصواتاً هي أشبه ما تكون إلى أصوات بعض المخلوقات، وكم من متنصت متسمع لما يدور من همس وأصوات غير معلنة فإذا به لا يسمع بل لا يعي من بجنبه، وأكثر الشواهد إثارة وفيه عنصر التشويق للمتابعة هو حال من كان مقيماً على بعض المعاصي ثم يتحول إلى جسد خاوٍ لا يدفع عن نفسه الذباب أو لا يمنع تجاوزات الآخرين أو لا يستطيع الصبر على شيء فيبكي من أجل رغبة أو حتى يصرخ أحياناً وما إلى ذلك مما يدهش له الإنسان ويقف مذهولاً، أهكذا إمهال الله تعالى ثم أخذه أخذ عزيز مقتدر لا يفوته شيء ولا يعجزه أحد؟!
وأيضاً حذر الإمام عليه السلام من ا غترار واندفاع الإنسان عندما يرى من كثرة الأموال، وطويل قائمة الممتلكات، وكونه من الأغنياء فيحدث ذلك في نفسه فخراً وعزاً وشموخاً على الآخرين وتعالياً على أحكام الله تعالى وتناسياً للفقراء الذي جعل الله لهم في أموال الأغنياء حقوقاً يجب إعطاؤهم إياها وقد قال الإمام الصادق عليه السلام (مياسير شيعتنا امناؤنا على محاويجهم فاحفظونا فيهم يحفظكم الله)([1]).
فيكون لزاما على الأغنياء المياسير الذين تيسرت عليهم الحياة بما حووه من أموال أقدرتهم على تجاوز الصعاب والأزمات الاقتصادية فمن الضروري تكفلهم ببعض شئون الفقراء ولو بمقدار الحق الشرعي الذي يعاقب من لم يؤده، ولا احسب أن ذلك يتعبهم أو يؤدي إلى خسارتهم في أسواق المضاربة بل يفتح لهم أبواب رحمة الله تعالى، وليعتبروا الإنفاق على الفقير الذي ينقذوه من الجوع أو الألم من بعض ما ينفقوه في غداء العمل أو ما يصرف في السهرات من أجل إقناع الطرف الآخر بالتعاقد وما إلى ذلك مما يصرفونه على المباذل وأحياناً الملاهي المحرمة من دونما توقف أو تورع بينما يتناسى الإنسان وتكون لديه من القسوة ما تجعله لا يعتني ولا يحرك ساكناً لو تضور أمامه الفقير من الجوع أو تلوى من الألم، مع أنه قد يلقى نفس المصير ومن المحتمل القوي أن ينتهي حاله إلى هذا الحال بل أشد وأوهى وأهون وأذل.
إذن الدعوة إلى عدم الاغترار بإقبال الدنيا، بالصحة أو المال، بل التذكر دائماً أن الأمر سيؤول إلى مثل ذلك لولم يؤد حق الله تعالى سواء أفي أمواله أم أخلاقه أم جسده أم تعامله أم سائر تحركاته في الحياة بما يجعله عبداً شكوراً مؤدباً غير متجاوز، وهذا أمر عام لا يخص المتمرد على أحكام الله والعاصي لأوامره بل يشمل غيره لئلا يزين له الشيطان مستقبلاً أن ينحو منحاه ويسلك مسلكه لأنه لا ضمانة في البقاء على الخط المستقيم إلا من عند الإنسان نفسه لأن توفيق الله تعالى متوفر دائماً فإنه سبحانه يفيض على عباده ما ينفعهم إلا أن العباد قد يحولون دون الوصول بسبب بعض ما يصدر منهم)([2]).
الهوامش:
([1]) أصول الكافي ج2 باب (فضل فقراء المسلمين) ح21.
([2]) لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ط8، ص 312-315.