بقلم: د. جليل منصور العريَّض
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
التربية عملية معقدة تتداخل ضمنها عدة علوم انسانية ترمي «الى مساعدة الطفل والمراهق والبالغ على تكوين شخصيتهم وتنميتها»([1]) من حيث العقل والسلوك والوجدان والعلاقات الاجتماعية، وهي من وجهة نظر إسلامية، موازنة الفرد نفسه بين المطالب الدنيوية والمطالب الأخروية طبقاً لقوله تعالى:
{وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ الله الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}([2]). وذلك التوازن الدقيق يقتضي، بطبيعة الحال، تدريب ومران، على يد جهات عدّة، إذ لا يتأتى للفرد أن يعلم نفسه بنفسه، ولابد له ـ على الأقل ـ في البداية من يأخذ بيده ويضعه على الطريق، وذلك العمل من أولويات الواجبات التي تناط بالأسرة في الإسلام، فمن واجب الآباء أن يراعوا أبناهم في كل مرحلة من مراحل نموهم، ويغذوهم بما يحتاجونه من زاد ثقافي وأخلاقي بما يتناسب كل مرحلة، فبصدد مراحل النمو وعلاقتها بالتربية يقول جعفر الصادق عليه السلام «يثغر الغلام لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينه في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربعة عشرة سنة، ومنتهى طوله لاثنتين وعشرين سنة، ومنتهى عقله لثمان وعشرين سنة الا التجارب»([3]) فالتربية كما نلاحظ متمشية مع نمو الفرد، بحيث لا تنفك عن مراقبته منذ طفولته الأولى حتى سن المراهقة، ومن ثم تزويده بالخبرات التي تمكنه من العيش في محيطه الذي ينشأ فيه، ذلك من ناحية السلوك الاجتماعي وعلاقته بتطور السن، الا ان السلوك لا يكون كافياً ما لم يكن مقروناً بالثقافة ومرحلية توصيلها، وهنا أيضاً يستوقفنا قول الإمام جعفر الصادق عليه السلام «الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلم الكتاب سبع سنين، ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين»([4]) وقد يبدو العلم في المقولة مقصوراً على العلوم الدينية، الا اننا بتوسعنا في الكلام عن التربية سنجد ان جده علي بن أبي طالب عليه السلام قد كان يعني بالعلم في مقولاته المتعددة جميع المعارف الدينية والدنيوية، فقوله «تعلموا العلم، ولو لغير الله فإنه يصير لله»([5]) يعني به ـ كما نعتقد ـ جميع اصناف العلوم العقلية والنقلية، والتي إذا ما استخدمت لمصلحة الإنسان فهي لله سبحانه وتعالى. فالأهداف الأساسية في التربية الإسلامية تنشئة فرد متزن السلوك حسن الخلق صحيح الجسم سليم العقل مثقف، وفي مجال عمله على وجه الخصوص، وهذه المسؤولية الخطيرة ـ كما تبدو في فكر عليg ـ ليست قصرا على الأسرة وحدها، لأنه يرى ـ كما نعتقد ـ ان تهيئة الحياة السعيدة وإزالة الجهل من النفوس، والمحافظة على القيم، هي من حقوق الأمة التي يجب ان تلتزم بها الحكومة، ففي تبيانه الحقوق الملزم بأداتها تجاه من يحكمهم يقول «اما حقكم علي فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا»([6])فالتوجيه والتعليم والتأديب هي ركائز التربية التي الزم بها نفسه كحقوق واجب عليه الوفاء بها نحو الأمة، وللاهتمام البالغ الذي اولاه للتربية، فقد اعتبرها انبل الصناعات، على اعتبار أن «لكل شيء صناعة، وحسن الاختيار صناعة العقل»([7]) أي تنشئة الإنسان بتنمية مداركه، وتقويم أخلاقه، منذ نعومة أظافره. ويمكن دراسة الجوانب التربوية ـ كما تبدو في نهج البلاغة ـ في عنصرين متكاملين، يهدفان إلى نتيجة واحدة غايتها الإنسان وسعادته)([8]).
الهوامش:
([1]) يوسف خياط ـ معجم المصطلحات العلمية ص 261.
([2]) القصص/77.
([3]) الكليني ـ فروع الكافي 6/ 46، 47، ويثغر ـ تسقط أسنانه لتنبت مكانها أسنان أخرى.
([4]) المصدر السابق نفسه.
([5]) شرح ابن أبي الحديد 20/ 267.
([6]) خطب ـ 34 ـ الفقرة 2.
([7]) شرح بن أبي الحديد 20/334.
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور جليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 459-461.