بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي
الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
وبعد:
قال عليه السلام:
وَلَيْسَ لِوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ فِي غَيْرِ حَقَّهِ، وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ، مِنَ الْحَظُ فِيمَا أَتَى إِلَّا مَحْمَدَةُ اللِّئَامِ، وَثَنَاءُ الْأَشْرَارِ، وَمَقَالَةٌ الْجُهَّالِ، مَادَامَ مُنْعِماً عَلَيْهِمْ: مَا أَجْوَدَ يَدَهُ! وَهُوَ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ بَخِيلٌ!
فَمَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ، وَلْيُحْسِنُ مِنْهُ الضَّيَافَةَ، وَلْيَفُكَ بِهِ الْأَسِيرَ وَالْعَانِي، وَلْيُعْطِ مِنْهُ الْفَقِيرَ وَالْغَارِمَ، وَلْيَصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَالنَّوَائِبِ، ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ؛ فَإِنَّ فَوْزاً بِهَذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَكَارِمِ الدُّنْيَا وَدَرْكٌ فَضَائِلِ الْآخِرَةِ، إِنْ شَاءَ الله([1]) .
شرح الألفاظ الغريبة:
الغارم من عليه الديون: صَبَرَ نفسه: - بالتخفيف - حبسها([2]) .
الشرح:
لما كان لواضع المعروف سواء كان في أهله أو غير أهله ثناء من الناس ومدح له بالكرم والبذل كان مما يتميز به وضعه في غير أهله عن وضعه في أهله.
أن الأول إنما يحصل به لواضعه الحمد من الئام الناس: أي ساقطي الأصول والسفهاء والأشرار والجهال لعدم معرفتهم بوضع الأشياء في مواضعها التي هي مقتضى العقل الذي به نظام أمور الدنيا وقوام نوع الإنسان في الوجود مع أنه في الحقيقة وعند أولي الألباب العارفين بمواقع المعروف بخيل في جنب الله تعالى.
وأما الثاني: فتحصل له المحمدة من كل في الدنيا محمدة مطابقة للحق مع الثواب الجزيل في الأخرى فلا جرم أشار إلى الأول بقوله: «فليس لواضع المعروف ....» إلى قوله : «وهو عن ذات الله بخيل».
وقوله: «ما أجود يده»: متعلق بمقالة: أي ذلك هو الأمر الذي يقولونه مادام منعماً عليهم، وإنما قيد بهذا القيد لأن الجاهل قد يعتقد أن ما يُسْدى إليه حق له فربّما دام حمده بدوام ذلك الإنعام لكن ينقطع بانقطاعه.
وأما الجاهل الشرير فكثيراً ما يعتقد أنه إنما يُسدى إليه لشره وخوف أذاه فربما يشكر المنعم مادام منعماً حتى إذا انقطع إنعامه جعل شره عوض شكره استجلاباً لذلك الإنعام المنقطع واستعادة له.
وأما الثاني: فنبه أوّلاً على مواضع المعروف وأمر بوضعه فيها، وذكر منها خمسة:
الأول: صلة الرحم.
الثاني: حسن الضيافة.
الثالث: فك الأسير والعاني، وإنما اختلف اللفظ.
الرابع: إعطاء الفقير والغارم وهو من عليه دين.
الخامس: الحقوق الواجبة على أهلها كالزكاة، والمستحبة كالصدقات.
وأشار بالنوائب إلى ما يلحق الإنسان من المصادرات والغرامات التي يفك بها الإنسان من أيدي الظالمين وألسنتهم، والإنفاق في ذلك من الحقوق الواجبة على الإنسان، والفضائل الخمس داخلة تحت فضيلة الكرم، والإشارة إلى ذلك بقوله:
«فمن آتاه الله ...» إلى قوله: «ابتغاء الثواب».
ونته بهذه الغاية أعني المفعول له على أن الإنفاق في هذه الوجوه إنما يكون وضعاً للمعروف في موضعه إذا قصد به وجه الله تعالى.
فأما إذا قصد به الرياء والسمعة فهو وإن عد في ظاهر الشريعة مجزياً إلا أنه غير مجز ولا مقبول في باطنها.
ثم أشار بقوله: «فإن فوزاً بهذه الخصال ....» إلى آخره: إلى ما يتميز به وضع المعروف في أهله وهو شرف مكارم الدنيا من الذكر الجميل بين الناس، والجاه العريض، ودرك فضائل الآخرة وهي درجات الثواب الجزيل الموعود لأولي الفضائل النفسانية، وإنما نكر الفوز لأن تنكيره يفيد نوع الفوز فقط الذي يحصل بأي شخص كان أشخاصه، وهذا وإن حاصلاً مع الألف واللام للتعريف تلك الطبيعة إلا أن ذلك التعريف مشترك بين تعريف الطبيعة والمعهود الشخصي فكان موهماً لفوز شخصي ولذلك كان الإتيان به منكراً أفصح وأبلغ. والله التوفيق([3]))([4]).
الهوامش:
([1]) نهج البلاغة لصبحي صالح: ۱۹۸ خطبة رقم ١٤٢، ونهج البلاغة للشيخ العطار: ٢٦٤/ خطبة رقم ١٤٢، وشرح نهج البلاغة لابن سيتم ۳ ۱۸۰ خطبة رقم ١٤١، ونهج البلاغة للشيخ محمد عبده ۱: ۲۷۸.
([2]) شرح الألفاظ الغربية: ٦٢٦.
([3]) شرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 180-182/ شرح كلامه عليه السلام رقم 141.
([4]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 300-304.