البَاحث: سَلَام مَكي خُضيّر الطَّائِيّ.
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمرسلين، أبي القاسم مُحمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين، واللَّعن الدَّائم على أعدائِهم ومبغضيهم إلى قيامِ يوم الدِّين...
أمَّا بعد...
فلا يخفى على المتتبّع لكلام الإمام عَلِيّ بن أبي طالبٍ (عليه السَّلَام)، فإنَّه مليءٌ بالحكم والمواعظ وبتبيان الأمور التي تنفع الفرد والمجتمع والتي تضر بهما.
فمن الأمور الخطيرة - التي يكون لها تأثيرٌ سلبيٌّ على الفرد والمجتمع، وتنهي ما يريد الفرد الوصول إليه- (الغفلة).
والغفلة: ترك الشَّيء[1] والسّهو عنه ولم يُعَر له أهمّية، وانطماس القلب عن إدراك معنى الذكر، وانغلاق بابه عن ذكر الله تعالى والابتعاد عنه، أو هي الذهول والنسيان، وعدم التذكر والتّفطّن والتّحفظ، وهي اللامبالاة، أي: إنَّ الفرد بسببها لا يبالي بشيء، ويكون غافلا تاركًا لأموره وللواجبات الدِّينيَّة والأخلاقيَّة المترتبة عليه[2]، فإن سيطرت (الغفلة) على الفرد وألهته عن ذكر الله تعالى وعن كلّ ما يترتَّب عليه من حقوق وواجبات، فمن المؤكَّد إنَّها ستصبح في هذه الحالة من أضرّ أعداء الفرد وأشدها، وهذا ما نراه فيما روي عن أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالبٍ (عليه السَّلَام) إنَّه قال: (الغفلة أضر الأعداء)[3]، وذلك لأنَّها ضلالة للنّفوس البشرية ويسيطر بسببها الشَّيطان على نفس الفرد وقلبه وعقله ، ويبعده عن اتّصاله بربّه سبحانه، ممَّا يجعل الفرد منساقًا لرغبات الشّيطان، ويكون حاملاً لصفة النَّحاسة وعنوانًا لها، وهذا ما نجده واضحًا فيما روي عن سيِّد الموحّدين الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) إنَّه قال: (الغفلة ضَلَالُ النّفوس، وعنوان النّحوس)[4]، فتراه بسبب غفلته عن ذكر الله تعالى مغترًّا بنفسه ومتفّرّدًا برأيه وعدم الأخذ بآراء الآخرين، ولا يسمع منهم الَّنصيحة والموعظة ولا يريد التّفقّه بأمور دينه، ولا يفكّر بغير مصلحته الشَّخصيّة الدنيويَّة، وهذا ما وضَّحه لنا الكلام المروي عن أمير المُؤمنين عَلِيّ بن أبي طالبٍ (عليه السَّلَام) إنَّه قال: (الَغفلةُ تُكسب الإغترار، وتدنّي من البوار)[5].
فبهذا القدر نكتفي عن الحديث الذي يختصّ بموضوع (الغفلة)، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من ذوي القلوب المتنوّرة بذكره سبحانه وبذكر رسوله (صلَّى الله تعالى عليه وآله)، وبذكر آل بيته الأطهار (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، والحمدُ لله ربّ العالمين على نعمائه التي منَّ بها علينا، وصلَّى الله تعالى على سيِّدنا ونبيِّنا مُحَمَّد وآله الغرّ الميامين، وأن يجعلنا معهم في الدنيا والآخرة، إنَّه سميعٌ مُجيب...
الهوامش:
[1] ينظر: الصّحاح، الجوهري: 5/1783.
[2] ينظر: الغفلة في ضوء القرآن الكريم، إيمان صالح مصطفى الرَّياشي: 4.
[3] غُرر الحكم وُدرر الكَلِم، عبد الواحد الآمدي التّميمي: 208.
[4] موسوعة أحاديث أَهل البيت (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، الشَّيخ هاديّ النَّجفيّ: 8/144.
[5] ميزان الحكمة، مُحَمَّد الرّيشهريّ: 3/2282.