بقلم السيد: نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نِعَمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على حبيبه المنتجب ورسوله المصطفى أبي القاسم محمد وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد:
فان من آثار مقبولية النص عند حبيب الله الخوئي ، أي في توليته (عليه السلام) للحسن والحسين (عليهما السلام) على أمواله وصدقاته هو ظهور الانسجام بينه وبين المعتزلي.
وللوقوف على هذه الحالة الانسجامية في المقبولية عند المتلقي الرابع، أي حبيب الله الخوئي فلابد أولا من عرض هذا التفاعل مع النص، فقد جاء في شرحه للنهج في هذا الموضع، أنه قال:
(قوله -عليه السلام-:
«وإنّ لأبني فاطمة من صدقة علي....».
يعني: أنهم فيها شرع واحد، لا تختص ببعض دون بعض ولا مزيّة لأبني فاطمة[عليها السلام] في منافعها على غيرهما نعم إنّما جعلت القيام بذلك أي من يتولَّي أمرها ويتصدّي عليها إليهما بتلك الوجوه الأربعة من ابتغاء وجه اللَّه-إلخ، أو المراد منه دفع التوهّم المتقدّم.
قال الشارح المعتزلي: ثمّ بيّن لماذا خصّهما بالولاية فقال: إنّما فعلت ذلك بشرفهما برسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله فتقرّبت إلى رسول اللَّه بأن جعلت لسبطيه هذه الرّياسة وفي هذا رمز وإزراء بمن صرف الأمر عن أهل بيت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله مع وجود من يصلح للأمر، أي كان الأليق بالمسلمين والأولىّ أن يجعلوا الرّياسة بعده لأهله قرابة إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله، وتكريما لحرمته، وطاعة له ، وأنفة لقدره صلَّى اللَّه عليه وآله أن تكون ورثته سوقة يليهم الأجانب ومن ليس من شجرته وأصله، ألا ترى أنّ هيبة الرسالة والنبوّة في صدور النّاس أعظم إذا كان السلطان والحاكم في الخلق من بيت النبوّة، وليس يوجد مثل هذه الهيبة والجلال في نفوس النّاس للنبوّة إذا كان السلطان الأعظم بعيد النسب من صاحب الدّعوة عليه السّلام، انتهى، ونِعْمَ ما قال.
وكان لأمير المؤمنين عليه السّلام فيهما شأن خاصّ وقصد تامّ ومزيد اهتمام وزيادة عناية يخصّهما بها دون سائر بنيه تشريفا لوصلة رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه واله ، وتنبيها واعلاما بمقامهما الشامخ ، ومنزلتهما السامية حتّى أنّه عليه السّلام كان يضنّ بهما على الحرب والقتال لئلَّا ينقطع نسل رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه واله من هذه الامّة فإنّ نسله من الحسن والحسين وتسعة من أولاد الحسين بعد أبيهم أبي الأئمّة عليّ عليه السّلام ، هم حجج اللَّه تعالى واحدا بعد واحد على عباده ولم تخل الأرض من حجّة للَّه على عباده قطَّ ولا يخرج الحجّة من بيت النبوّة قطَّ، وقد روى نصر بن مزاحم في أواخر صفّين عن عبد الرّحمن بن جندب قال: لما أقبل عليّ عليه السّلام من صفّين أقبلنا معه فأخذ طريقا غير طريقنا الَّذي أقبلنا فيه، ثمّ أخذ بنا طريق البرّ على شاطئ الفرات حتّى انتهينا إلى هيت وأخذنا على صندودا فبات بها ثمّ غدا وأقبلنا معه حتّى جزنا النخيلة ورأينا بيوت الكوفة-إلى أن قال: ثمّ مضى غير بعيد فلقيه عبد اللَّه بن وديعة الأنصاري فدنى منه وسأله فقال:
«ما سمعت النّاس يقولون في أمرنا هذا»؟
قال: منهم المعجب به، ومنهم الكاره له ، والنّاس كما قال اللَّه تعالى: ﴿وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ فقال له: «فما يقول ذوو الرأي»، قال: يقولون: إنّ عليّا كان له جمع عظيم ففرّقه، وحصن حصين فهدمه وحتّى متى يبنى مثل ما قد هدم، وحتّى متى يجمع مثل ما قد فرّق فلو أنّه كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتّى يظهره اللَّه أو يهلك إذا كان ذلك هو الحزم.
فقال عليّ عليه السّلام: «أنا هدمت أم هم هدموا أم أنا فرّقت أم هم فرّقوا ؛ وأمّا قولهم: لو أنّه مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتّى يظفر أو يهلك إذا كان هو الحزم، فو اللَّه ما غفلت عن ذلك الرأي وإن كنت سخيّ النفس بالدّنيا طيّب النفس بالموت ولقد هممت بالإقدام فنظرت إلى هذين قد استقدماني فعلمت أنّ هذين إن هلكا انقطع نسل محمّد صلَّى اللَّه عليه واله من هذه الامّة فكرهت ذلك وأشفقت على هذين أن يهلكا ولو علمت أنّ هؤلاء مكاني لم يستقد ما -يعني بذلك ابنيه الحسن والحسين- وأيم اللَّه لئن لقيتهم بعد يومي لقيتهم وليس هما معي في عسكر ولا دار» . )[1].
ويمكن ملاحظة هذا الانسجام لدى السيد حبيب الله الخوئي وتأكيده لما ذهب إليه المعتزلي في أظهار قصدية منتج النص بفعل هذا البيان الذي أورده في شرحه للنص الشريف.
فبعد أن أ ورد قول المعتزلي عقب عليه قائلاً:
(ونعم ما قال).
أي أن النتائج التي مرَّ بيانها أنفاً في المبحث السابق هي نفسها تنطبق على المتلقي الرابع، فقد دلَّ الفعل الكلامي في قوله (ونعم ما قال) عن القوة الانجازية في حدوث التأييد التام لما أورده ابن أبي الحديد من مقبولية للنص الشريف.
فضلا عن ذلك فقد اظهرت المقبولية عن كاشفية جديدة لم يتطرق إليها المعتزلي فوجد حبيب الله الخوئي فرصة ليظهر تفاعله مع النص بنحو آخر يظهر فيه قصدية منتج النص في التعامل مع ابني فاطمة (عليهم السلام) وهو ما سنعرض له في المسألة القادمة. ([2]).
الهوامش:
[1] منهاج البراعة: ج8 ص372.
([2]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فاطمة في نهج البلاغة، للسيد نبيل الحسني ج5 ص133-136. ط: العتبة الحسينية المقدسة/ مؤسسة علوم نهج البلاغة.