بقلم: السيد نبيل الحسني
تناول قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (64/ 291) حول الأمن البشري القيم الأساسية لهذا الأمن وقد أفرد لها بنداً ضمن ثالثاً وخصص لها عنواناً فكان:
(القيم الأساسية للأمن البشري وأسباب أهميتها).
فمما جاء في هذا البند وتحت الفقرة (16) ما يلي:
(عند التصدي لأوجه انعدام الأمن المعقدة والمتعددة الأبعاد التي يواجهها البشر اليوم في هذا العالم المترابط، أقر رؤساء الدول والحكومات في الفقرة (143) من الوثيقة الختامية لمؤتمر القمة العالمي لعام (2005م) بـ(حق الشعوب في العيش في حرية وكرامة، بمنأى عن الفقر واليأس، وأن تتاح لهم الفرصة متساوية للتمتع بجميع حقوقهم وتنمية إمكاناتهم البشرية على أكمل وجه).
وعند الفقرة (17) فمما جاء فيها ما يلي:
(يرمي الأمن البشري إلى كفالة الأشخاص وسبل عيشهم وكرامتهم تصدياً للتهديدات القائمة والناشئة وهي تهديدات واسعة الانتشار وشاملة لعدة مجالات).
وعند الفقرة (18) جاء فيها ما يلي:
(يشدد الأمن البشري على الطابع العالمي المترابط لمجموعة من الحريات الأساسية لحياة البشر، وهي التحرر من الخوف والتحرر من العوز، وحرية العيش بكرامة؛ ونتيجة لذلك يبرز مفهوم الأمن البشري الترابط بين الأمن والتنمية وحقوق الإنسان، ويعتبر هذه العناصر لبنات الأمن البشري، ومن ثم الأمن الوطني).
ويمكن أن نستخلص القيم الأساسية والحريات ولبنات الأمن الإنساني أو الأمن البشري والتي وردت في هذه الفقرات بما يلي:
1. القيم الأساسية
وهي:
أ ـ حق الشعوب في العيش بحرية وكرامة، بمنأى عن الفقر واليأس.
ب ـ أن تتاح لهم الفرصة متساوية للتمتع بجميع حقوقهم.
ج ـ تنمية إمكاناتهم البشرية على أكمل وجه.
د ـ التصدي للتهديدات القائمة والناشئة.
2. الحريات الأساسية:
وهي:
أ ـ التحرر من الخوف.
ب ـ التحرر من العوز.
ج ـ حرية العيش بكرامة.
3. لبنات الأمن الإنساني:
وهي:
أ ـ الأمن.
ب ـ التنمية.
ج ـ حقوق الإنسان.
وهذه القيم والحريات الأساسية ولبنات الأمن الإنساني (البشري) قد تضمنتها وثيقة الصلح التي دونها الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام مع معاوية بن أبي سفيان، هذه الوثيقة التي أخرجها غير واحد من المؤرخين فكانت كالآتي:
(هذا ما اصطلح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان، صالحه على:
أولاً: أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسُنّة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة الخلفاء الصالحين [1].
ثانياً: ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين.
ثالثاً: على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم.
رابعاً: على أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه، وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء بما أعطى الله من نفسه.
خامساً: على أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا أحد من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم غائلة، سرا وعلانية، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.
شهد على ذلك عبد الله بن نوفر بن الحارث، وعمر بن أبي سلمة، وفلان وفلان).
وقد أخرج هذه الوثيقة مجموعة من الحفاظ، وهم:
1- البلاذري (المتوفى سنة 279)[2].
2- ابن قتيبة الدينوري (المتوفى سنة 276هـ)[3].
3- ابن أعثم الكوفي (المتوفى سنة 314هـ)[4].
4- ابن طلحة الشافعي (المتوفى سنة 652هـ)[5].
5- الأربلي (المتوفى سنة 693هـ)[6].
6- ابن الصباغ المالكي (المتوفى سنة 855هـ)[7].
7- ابن حجر الهيثمي (المتوفى سنة 974هـ)[8].
8- المجلسي (المتوفى سنة 1111هـ)[9].
9- القندوزي الشافعي (المتوفى سنة 1294هـ)[10].
وقد اشتملت وثيقة الصلح على القيم الأساسية للأمن الإنساني التي ورد ت في قرار الجمعية العامة والحريات الأساسية، فضلا لبنات قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة وتأسيسها، وهي (الأمن، والتنمية، وحقوق الإنسان )[11].
الهوامش:
[1] إن المراد من قوله (وسيرة الخلفاء الصالحين ) هو سيرة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام وليس الخلفاء الثلاثة، والعلة في ذلك أن الإمام علي عليه السلام قد رفض قبول الخلافة وإمامة المسلمين لما أشترط عليه أهل الشورى الذين كلفهم ابن الخطاب باختيار الخليفة من بعده بشرط : (العمل والسير بسيرة الشيخين) ، فكان رفض أمير المؤمنين عليه السلام لهذا الشرط كاشف عن الافتراق بين سيرتهما والقران والسنة مما يرشد إلى أن هذه الإضافة قد أقحمت في النص .
فضلا عن ذلك : فقد وردت هذه العبارة بعينها لما دعا ابن الزبير الناس إلى بيعته بعد موت يزيد بن معاوية بايعوه على كتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة الخلفاء الصالحين ، واستخدمت أيضا في زمن الحكام الامويين لدى الأشخاص الذين خرجوا عليهم كخروج يزيد بن المهلب في زمن عمر بن عبد العزيز . ينظر : أنساب الاشراف ، البلاذري : ج6 ص341 وج8 ص9.
[2] أنساب الأشراف: ج3، ص42.
[3] الأخبار الطوال: ص218.
[4] الفتوح: ج4، ص291.
[5] مطالب السؤال: ص357.
[6] كشف الغمة: ج2، ص193.
[7] الفصول المهمة: ج2، ص729.
[8] الصواعق المحرقة: ص136.
[9] بحار الأنوار: ج44، ص65.
[10] ينابيع المودة: ج2، ص425.
[11] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : الأمن الإنساني في خلافة الإمام الحسن عليه السلام ، تأليف السيد نبيل الحسني : ص 133 – 136 ؛ أصدار العتبة الحسينية المقدسة ، ط1 دار الكفيل لسنة 1438هـ - 2016 بتصرف وبعض الإضافة .