من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((هُيِّءَ)) في قوله عليه السلام: «وَهُيِّءَ وَنُشِرَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ»

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((هُيِّءَ)) في قوله عليه السلام: «وَهُيِّءَ وَنُشِرَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ»

131 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 07-04-2025

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل

الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:

هُيِّءَ

تدلُّ مادَّة (هُيِّءَ) في اللُّغة على الأَخْذِ في الشَّيء، وتحضيره، وإصلاحه. قال الأَزهريّ: «الهيئة للمتهيِّء في ملبسه، ونحوه، تقول: هَاءَ فلانٌ يَهَاءُ هيئةً» ([1]).

يُقال: هِئْتُ للأَمر أَهِيءُ هَيْئَةً، وتَهَيَّأْتُ تَهَيُّوءاً بمعنى. وهَيَّأَتُ الشَّيء: أَصلحتُه([2]). وهَاءَ يَهاءُ هيئةً. والمُهَايَأَةُ: أَمرٌ يتهايَأُ القوم؛ فيتراضَون([3]).
وقال ابن منظور: «الهَيئةُ والهِيئَةُ حالُ الشَّيء، وكيفيَّته، ورجل هيِّءٌ حَسَنُ الهيئة... وهَاءَ للأَمر يَهاءُ ويَهِيءُ ويتهيَّأُ: أَخذ له» ([4]).
وجاء هذا الفعل (هُيِّء) مرَّةً واحدة في الخطبة مطابقاً دلالته اللُّغوية، وهو تاسع الأَفعال الَّتي أَوردها أَمير المؤمنين (عليه السلام)  في بيان ما يحصل على الإنسان الميِّت في المغتسل بعد موته، فأَوَّل ما يكون أَنْ تُغمض عيناه، وتُمدَّ يداه ورجلاه، ويُوجَّه إلى القبلة، ويُجَّرد من ثيابه، ويُغسَّل، ويُنشَّف، ويُرجع به إلى حال السُّكون، ويُفتح له كفنه بعد أَنْ كان معقوداً، ثــُمَّ (هيِّء) أَيْ: تُرتَّب قطع الكفن الثــَّلاث، وهي: الإزار، والقميص، والمئزر؛ لِتُنْشَرَ عليه بعدها لِيستوليَ على جسد الميِّت كُلِّه، إذ قال (عليه السلام): «وغُمِّضَ ومُدِّدَ، وَوُجِّهَ وَجُرِّدَ، وَغُسِّلَ وَنُشِّفَ، وسُجِّيَ وَبُسِطَ لَهُ، وَهُيِّءَ وَنُشِرَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ، وَشُدَّ مِنْهُ ذَقْنُهُ، وَقُمِّصَ وعُمِّمَ، وَلُفَّ».
وجدير بالذِّكر أَنَّ الفقهاء ذكروا في رسائلهم العمليَّة في (التَّكفين) أَنــَّه يجب تكفين الميِّت بثلاثة أَثواب. الأَول: المئزر، ويجب أَنْ يكون ساتراً ما بين السُّرة والرُّكبة. والثــَّاني: القميص، ويجب أَنْ يكون ساتراً ما بين المنكبين إلى نصف السَّاق. والثــَّالث: الإزار: ويجب أَنْ يغطِّي تمام البدن([5]).
وما قيل في الفعل (جذبت نفسه) يقال ــ هنا ــ مع الفعل (هُيِّءَ) في بنائه للمجهول؛ فقد بني للمجهول لأَمرين. أَحدهما: التَّركيز على الحدث، وهو ترتيب قطع الكفن الثــَّلاث، والآخر: أَنَّ التَّرتيب لهذه القطع حاصل، وإنْ لم نعرف مَنْ سيرتِّبها.
و(هيِّء) فعل ماضٍ مبنيٌّ على الفتح، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً، عائد إلى الكفن، وجملة (وهُيِّءَ) معطوفة على جملة (وبُسِطَ له).)([6]).

الهوامش:
([1]). تهذيب اللغة: 2، 389.
([2]). ينظر: الصحاح في اللغة: 2/261.
([3]). ينظر: العباب الزاخر: 1/56 و57.
([4]). لسان العرب: 1/188. وينظر: العين: 1/285 ومفردات ألفاظ القرآن: 850.
([5]). ينظر: منهاج الصالحين (للخوئي) 78، وموجز الفتاوى المستنبطة (للغروي): 100، ومنهج الصالحين (للسيد الصدر): 71، وأحكام العبادات: 145، وسبل السلام (لليعقوبي): 110.
([6]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص215-216.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3025 Seconds
BESbswy