وقفت شامخاً ... ونظرتُ إليك شاخصاً ... أصرخ منادياً، حتى بح صوتي...فتلاشى مع الأثير.
ألف، وحاء، وباء، وكاف... حروف حائرات ...تتسارع إليك إيها الحبيب... لم تزل تنزف إليك عشقاً من بعيد... متى التقيك يا ريحانتي..؟ فأرشفك لثماً.. وترتعد قبلاتي على جيدك البراق.. كأنه أبريق فضه.. يأسر عيون الناظرين.
أجبني أيها الحبيب ... فلقد بح صوتي من النحيب؟
فأجابني قائلاً: مهلاً، أيها المنادي... هل قلت يا ريحانتي؟!!
فقلت: نعم وحبيبي.
فجاء صوته متشحرجا.. أوهٍ ... حليم.. ينطق عن نار الكليم:
آه.. آه .. لقد ذكرتني بحبيبٍ.. يلثم عنقي شماً ..يتنسم عطري فرحاً...يكثر تقبيلي وعناقي.. وينادي يا ريحانتي من الدنيا
لكن.. مهلاً إيها المنادي من بعيد.. دع عنك هذا الصراخ والعويل...فأني عنك مشغول.. وبما أرى مذهول:
نساء وبنيات مخدرات .. فأصبحن مثكلات .. مسلوبات ...حائرات ..
يتسارعن بين النيران... يستصرخن الأبناء والأزواج والإخوان.
آه ..آه ..آه ..من لليتامى وقد مات الأمن والسند؟... من للثكالى وقد فضخ رأس العمد؟
فمن أنت أيُّها المنادي من بعيد ..تصرخ بحبِّي وتعيد.. فإنِّي عنك لمحزون بدموع تلك العيون ؟
فأجبته على عهدي شامخاً... أردد بشوق وحنين:
أسرع أيها الحبيب .. إنِّي لك مشتاق وملتاع ... فأنا المجهول حظاً ...أنا المأسور جبراً...أنا المقحم في أمرك قهراً...أنا المشتاق لعناقك فخراً...
أنا العاشق الولهان لصوتك وهو يتلو القرآن ... يردد آية الكهف فيقرع الأذان:
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا.
فجاء صوته المكثور ...رابط الجأش ثابت البنان ...
عرفتك أيَّها المنادي من بعيد.. أيَّها الصاحب لي والرفيق... أيها المعانق لي طول الطريق... من الكوفة إلى الشام ... تحملك أيدي الطغاة اللئام ... نعم عرفتك أيُّها المنادي من بعيد.
فأجبته: شامخٌ على عهدي .. عرفتني أيُّها الحبيب .. نعم... إنَّي أنا الرمح الشامخ الطويل.
كم سيكون لسناني على نحرك من قبلات.. لكنَّهن مرتعدات .. وجلات.. حائرات.. خجلات.
آه ..ثمَّ آه أيها الحبيب.. ليت النيران صهرتني.. والكور ذرتني .. والرياح نقلتني عن أرض الكوفة والشام .
آه ..أيها الحبيب...ثم آه... أين قبلاتي لنحرك من قبلات جدك المختار (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
فقبلاتي جسرات.. ومؤلمات..ومؤذيات ...وقبلات جدك رقيقات ..حنينات..طيبات... أين تقبيلي لنحرك من تلكم الشفاه الزاكيات الطاهرات النيرات؟
آه.. أيها الحبيب.. سؤال في خاطري يجول.. هلي ببوحه يا بن الطهر البتول؟
أتراني من زمرة من يؤذيك.. فأكون لكم من الناصبين.. وفي النار خالدين؟
أم تراني ممن يقبل من نحرك مواضع العناق لآل الرسول.. لأنفاس علي والحسن والزهراء البتول؟
أم تراني.. أقبل من نحرك مواضع يدي الطفل الرضيع.. ماسكاً بجيدك وهو صريع؟
أم لعناق الوداع لأبنائك وأصحابك.. أم لصغيراتك وبنياتك النحول.. والخيل من حولكم تجول؟
فعذراً أيها النحر الحبيب..
فقد أسر الشوق العناق.. وكبَّل التقبيل..
وعلا من حولك التكبير.. فارتعدت على نحرك القبلات.
فيا أيُّها النحر.. سلام عليك... من موضع تقربت به إلى الله الزاكيات.
سلام عليك حين علتك الباترات... وحملتك الرماح الشامخات.
فسلامٌ ... وألف سلام من رمح معانق، خجل، متبرئ من أيدٍ غاويات.
نبيل الحسني الكربلائي