الباحِث: سَلَام مَكيّ خضيّر الطَّائِي.
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمرسلين، أبي القاسمِ مُحَمَّد وآله المنتجبين والطَّيِّبين الطَّاهرين، واللَّعن الدَّائم على أعدائِهم ومبغضيهم وناكري حقّهم، ما بقيت وبقي اللَّيل والنَّهار، إلى قيام يوم الدِّين...
أمَّا بعد...
فإنَّ هناك العديد من الفضائل والأخلاق الإسلاميَّة، التي جاءت الدَّعوة الإسلامية حافلة بها؛ كالسَّخاء والكرم والشجاعة والعفو والمسامحة وغيرها، وسنتناول في موضوعنا هذا إحدى هذه الفضائل التي تُعد واحدة من أهم الفضائل إن سادت في المجتمع ساد الحب والألفة الاجتماعية بين أبناء ذلك المجتمع، وهي فضيلة (العفو والمسامحة)، ومن تتبَّع آيات القرآن الكريم وأحاديث السّنَّة النَّبويَّة والعترة المطَّهرة، يجدها غنية بما يحث على العفو عمَّن عاداك وظلمك ومسامحته حين القدرة عليه، فروي عن أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) ما يختصّ بهذا الشَّأن، إذ إنَّه قال: (إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرًا للقدرة عليه)[1].
فإن نفس صاحب العفو والمسامحة حين المقدرة، تكون مطمئنة بحيث لا يحركها الغضب بسهولة وكاحتمال الكد، وإنّما علَّقه الإمام (عليه السَّلَام) بالقدرة عليه، لأن ظهور فضيلة العفو للنَّفس إنَّما يتحقَّق بعد تحقّق القدرة على أن يقتص ممَّن وقع الحق عليه، بحسب اعتقاد العافي أو المسامح أنّه متى شاء وأراد العقوبة وأراد أن ينتقم منه، كان متمكنًا منها سواء كان ذلك التّمكن حاصلًا في نفس الأمر أو ليس متمكنا، وأمَّا قبل ذلك الاعتقاد بالقدرة على العدو، فلا يتحقّق العفو إذ لم يكن في هذه تاركًا لبعض ما هو واجب له لعدم تحقق وجوب الانتقام، وأمَّا الأمر له بجعل العفو عنه شكرًا للقدرة عليه، وذلك لأنَّ هذه القدرة على الأخذ بالحق من ذلك الشخص حين التَّمكّن منه من نعم الله تعالى على هذا الشخص العافي والمسامح، وهذه من الأخلاقيات التي اتّفقت عليها كل الشَّرائع الإسلاميَّة، التي منَّ الله تعالى بها عليه، فيجب شكره سبحانه على هذه النّعم[2]، وبالأخص إذا كان ذلك العفو حين التَّمكّن والقدرة، لوجه الله تعالى من دون عتاب، فروي عن الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين الشَّهيد (عليهما السَّلَام) عِنْدَمَا سُئِلَ عَنْ قَولِ الله (سُبْحَانه وتَعَالَى): (﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾[3]، قال: ((العفو من غير عتاب)))[4]،
فإن أقام العافي عفوه مقام شكر الله تعالى على اقداره على عدوه فنعم العوض، وإن جمع بينهما كان أجمع لطريق الخيرات، وذلك هو المراد من قوله (عليه السَّلَام): (فاجعل العفو عنه شكرًا للقدرة عليه) أي: عوضًا من الشّكر، فإنّ حقيقة العفو ليست نفس الشّكر[5].
وختاما: أن الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على سيِّدنَا وشفيع ذنوبنا مُحَمَّد وآله الأطهار الميامين ...
الهوامش:
[1] عيون الحكم والمواعظ، عليّ بن محمَّد الليثي الواسطي: 132.
[2] ينظر: شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، ابن ميثم البحراني:
[3] الحجر: 85.
[4] هداية الأمة إلى أحكام الأئمة (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) الحرّ العاملي: 5/172.
[5] ينظر: شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): 134.