مواضع كتمان السّرّ وآثاره قراءة في قصار حكم الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)
البَاحِث: سَلَام مَكّيّ خضَيّر الطَّائِيّ
الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلَّى الله تعالى على سيِّدِنا ونبيّنا مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرين، واللّعن الدَّائِم على أعدائهم ومبغضيهم وناكري حقّهم، إلى قيام يوم الدِّين...
أمَّا بعد...
فإنّ نجاة الفرد من هفوات الحياة، تتعلّق بكثير من الأسباب التي تؤدّي بالفرد إلى الانزلاق والهفوة من حيث لا يشعر في بعض الأحيان، فمن تلك الأسباب: هو كيفية كتمان السّرّ وعدم البوح به إلَّا لمن تيقَّن أنَّه يكون حافظًا للسر وكاتمًا له.
مواضع كتم السّرّ:
فإن لكتمان السّرّ مواضع، فمن هذه المواضع التي تختص بحفظ السّرّ وكتمانه ما جاء في كلام الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، وما تضمّنته بعض قصار حكمه (عليه السَّلَام) التي ترتبط بموضوعنا هذا، فيتبيَّن للمطالع لتلك الحِكم، أنَّ الفرد أو المرء نفسه، أَولى وأجدر من غيره من أن يكون موضعًا لسرّه وحافظًا له، وأن يتحمَّل مسؤولية حفظ سرّه وعدم افشائه للآخرين، لألَّا يجعل نفسه عرضة لكثير من النتائج السلبيَّة، فعلى أثر ذلك ما جاء واضحًا في هذا الشَّأن ممّا روي عن الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (المرؤ أحفظ لسرّه)[1].
وإنَّ المرء الحليم في زمانه والعاقل في تصرّفاته، يجعل صدره صندوقًا حاويًا لأسراره، ويكون مفتاح ذلك الصّندوق بيده، وهو لسان صاحب السّرّ، ونجد هذا المعنى واضحًا فيما روي عن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام): (صَدْرُ الْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّه)[2].
فعلى المرء أن يكون متنبّهًا لهكذا موضوعٍ أخلاقيّ مهم، كي لا يتوهَّم في يوم ويبوح بسرّه لأيٍ كان، حتى لا يصيبه الندم على أثر ذلك.
آثار كتم السّرّ على الفرد:
إنَّ لكتم السّر وعدم افشائه في الوسط، آثارًا إيجابيَّة تترتَّب عليه، منها: أن المرء عندما يحافظ على سره ويكتمه، ينال خير الدنيا وفاز بالآخرة، وذلك لأنَّه إذا كان عنده سرّ وإنَّ افشائه وإذاعته مثلًا يلحق به ضررًا أو يتضرّر به أناس آخرين، وإن بكتمانه ممكن أن نقول قد تجاوز الخطر الذي يلحق به أو بغيره، من جراء افشاء السّر، فهنا إنَّ الله تعالى قد يجازيه على كتمانه للسّرّ، مما ينتج عن ذلك الأمر أنَّ هذا المرء قد نال ما لم ينله غيره، فرويّ عن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) إنَّه قال: (جمع خير الدنيا والآخرة في كتمان السر ...، وجمع الشر في الإذاعة ...)[3].
وأيضًا من آثار كتم السّرّ، كانت الخيرة وكيفية التّصرّف بأعماله الشخصيَّة بيده، من دون أن يكون أحد يُملي عليه قراراته ومآربه الشّخصيَّة، ويكون غير مستضعف من قبل ضعفاء النّفوس إن علموا بسرّه، وكان افشائه له آثار غير سليمة، وعواقب وخيمة عليه، لا يُحمد عقباها، فروي في هذا الشأن عن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (من كتم سرّه كانت الخيرة بيده)[4].
فهذا ما كان بوسعنا أن نعرضه للقارئ الكريم في موضوع السّرّ الشخصي وكيفية المحافظة عليه وعدم البوح به وافشائه، وفي الختام أن الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا ونبيّنا مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرين، واللّعن الدَّائِم على أعدائِهم ومبغضيهم إلى قيامِ يوم الدِّين، إنَّه سميعٌ عليم...
الهوامش:
[1] بحار الأنوار، العلَّامة المجلسي: 72/71.
[2] نهج البلاغة، خطب الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام): ح6، تحقيق: صبحي الصَّالح.
[3] الاختصاص الشَّيخ المُفيد: 218.
[4] في ظلال نهج البلاغة، محمَّد جواد مغنية: 3/516.