بكاء الزهراء عليها السلام

مقالات وبحوث

بكاء الزهراء عليها السلام

6K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 07-01-2020

الباحث: محمد حمزة الخفاجي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمد آله الطيبين الطاهرين، وبعد
كانت الزهراء تئن وتحن لفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما جرى لها ولبعلها من جور الظالمين حتى صارت تبكي ليلها ونهارها، فكما أن يعقوب بكى لمصاب يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن، كذلك الزهراء بكت على فقد النبي وظلم الوصي حتى اشتكت الناس من بكائها.
يروى أنه (اجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقالوا له: يا أبا الحسن إن فاطمة (عليها السلام) تبكي الليل والنهار فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا، وإنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلا أو نهارا، فقال (عليه السلام): حبا وكرامة، فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى دخل على فاطمة (عليها السلام) وهي لا تفيق من البكاء، ولا ينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له، فقال لها: يا بنت رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلا وإما نهارا.
فقالت: يا أبا الحسن ما أقل مكثي بينهم وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لا أسكت ليلا ولا نهارا أو ألحق بأبي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لها علي (عليه السلام): (افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك)[1].
حينما نظرت الزهراء إلى أمير المؤمنين (عليهما السلام) سكنت رغم ألمها، فهذه السيدة الفاضلة الوحيدة من بين نساء قريش تعرف مكانة الوصي وفضله ومنزلته عند الله ورسوله لذا كانت مطيعة له وقد استشهدت دفاعا عن الولاية، فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
وكما أن الزهراء لم ترد طلبا لأمير المؤمنين (عليه السلام) كذلك الإمام كان يلبي جميع مطالبها حبا بها ومعرفته بفضلها فإن رضاها رضا الله وسخطها سخطه.
وقد أخبرها النبي (صلى الله عليه وآله) بأنها أسرع الناس لحوقا به لذا كانت تعد أيامها لتلقى الحبيب المصطفى فكان ذلك سرورها.
أما حزنها فكان لعلي وأبنائه (صلوات الله وسلامه عليهم)، ففي رواية يرويها المجلسي رحمه الله إنها أوصت الإمام أن يغسلها ويكفنها وأن لا يكشف عنها، فهي طاهرة ميمونة، وأن يدفنها ليلاً لكي لا يحمل نعشها من ظلمها.
قال علي: (... والله لقد أخذت في أمرها وغسلتها في قميصها ولم أكشفه عنها فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكفنتها وأدرجتها في أكفانها فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت يا أم كلثوم! يا زينب! يا سكينة! يا فضة! يا حسن! يا حسين! هلموا تزودوا من أمكم فهذا الفراق واللقاء في الجنة.
فأقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما يناديان وا حسرتا لا تنطفئ أبدا من فقد جدنا محمد المصطفى وأمنا فاطمة الزهراء يا أم الحسن يا أم الحسين إذا لقيت جدنا محمد المصطفى فاقرئيه منا السلام وقولي له: إنا قد بقينا بعد يتيمين في دار الدنيا.
فقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): إني أشهد الله أنها قد حنت وأنت ومدت يديها وضمتهما إلى صدرها مليا وإذا بهاتف من السماء ينادي يا أبا الحسن ارفعهما عنها فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب، قال: فرفعتهما عن صدرها وجعلت أعقد الرداء وأنا أنشد بهذه الأبيات:
فراقك أعظم الأشياء عندي   ***    وفقدك فاطم أدهى الثكول
سأبكي حسرة وأنوح شجوا   ***   على خل مضى أسنى سبيل[2].
كان الامام (عليه السلام) يرى روح فاطمة وهي تضم الحسن والحسين (عليهما السلام) الى صدرها وكان يسمع انينها وحنينها فهو الإمام البر التقي النقي الذي اختاره الله أن يكون وارث علم النبيين وولي رب العالمين فكان مصابه عظيمًا، فعظم الله أجره ورفع ذكره وجعل أعداءه في أسفل سافلين في كلا الداريين.
الهوامش:
[1] - بحار الأنوار، ج43، ص177.
[2] - بحار الأنوار: 43/180.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2262 Seconds