الباحِث: سَلَام مَكِيّ خضَيّر الطَّائِيّ.
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلام على المبعوث رحمة للعالمين مُحَمَّد بن عبد الله وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرين، واللعن الدَّائم على أعدائِهم إلى قيامِ يوم الدِّين...
أما بعد...
فإنَّ الله تعالى عندما ينزل البلاء على عبده، فلا بد لهذا البلاء من أسباب، كالغفلة عن ذكره سبحانه أو غير ذلك، لكنّ مثلما هناك أسباب فلابد من وجود سبل لدفع هذا البلاء بشتى أنواعه، فمن هذه السّبل التي لها دور فعَّال في استنزال رحمة الله تعالى ودفع البلاء عن الإنسان وتجعله قريبًا منه (سبحانه وتعالى)، هو: (الدّعاء).
دور الدُعاء في دفع البلاء:
للدّعاء دور كبير في دفع البلاء الذي يحلّ بالمرء بتقدير الله تعالى وقضائه، وعن طريق هذا الدعاء قد يدفع الله تعالى عن المرء المؤمن ما يصيبه من بلاء، كالمرض والفقر وقّلة الرزق وغيرها...
فهو سلاح المؤمن التقي المخلص قلبه للإيمان، وعماد الدِّين ومن الوسائل التي تقرّب العبد إلى ربّه تعالى، وينوّر قلبه ويجليه ويصبح خاليًا من الحقد والضغينة، فروي عن أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: (الدُّعاء سلاح المؤمن، وعماد الدّين، ونور السّماوات والأرض)[1].
وعلى المؤمن أن يكون مواظبًا على الدعاء ومتسلّحًا به في كف البلاء ودفعه عنه واستنزال اللطف الإلهي به، كدفع الفقر والمرض وطلب الرّزق ودوام العافية ورضا الله تعالى على العبد ودفع الغم والهم وما يُصيب المؤمنين من ابتلاءات، في كل وقتٍ وليس له وقت معين، فروي عن النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) إنَّه قال: (ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدر أرزاقكم؟ قالوا بلى قال: تدعون ربكم بالليل والنهار فإنّ سلاح المؤمن الدّعاء)[2].
هذا، وإنَّ دعا العبد الله سبحانه بصدق نية وإيمان صادق، يجد الله (عزَّ وجّل) أقرب إليه من أقرب الأشياء إلى الفرد، فإنَّه تعالى رحيم بعباده ولا يرد من دعاه وطلب منه ما يريد، وهذا يؤكّده ما جاء عن الإمام عَلِيّ (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) إذ إنَّه قال: (قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): لا تعجزوا عن الدُّعاء فإنّ الله أنزل عَلَيَّ ﴿أُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[3]، فقال رجل: يا رسول الله، ربّنا يسمع الدُّعاء أم كيف ذلك؟ فأنزل الله: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾[4])[5].
فمن تمعن في معنى الحديث أعلاه يجد أن الرَّسُول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) والإمام عَلِيّ (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، يحثون الناس على عدم الكف عن الدعاء أو العجز عنه، لأن الله تعالى قد يجعل البلاء اختبارًا للمؤمن المخلص في الإيمان ليرفع درجته عنده سبحانه، فإن دعاه في كشف كربته وصبر على البلاء يجد الله تعالى قد استجاب له ودفع عنه البلاء.
وأيضًا لا يخفى على المؤمن أن الدعاء يساهم مساهمة كبيرة في ردّ القضاء الذي يقدره الله تعالى على العبد، فهو أحد السبل التي بها يدفع الله سبحانه القضاء والقدر عن الفرد المؤمن إن دعاه وطلب منه اللطف به ما قُدّر عليه، فروي عن الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) قال: (إنّ الحذر لا يردّ القضاء، ولكن الدعاء يردّ القضاء، قال الله تعالى: ﴿إلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِين﴾[6])[7].
فيتبين لنا من هذه الرواية أن بالدعاء الصادق دفع الله تعالى البلاء عن قوم النَّبيّ يونس (عليه السَّلَام) وكشف عنهم العذاب ونجاهم منه وجعلهم يتمتعون بالحياة إلى حين انتهاء آجالهم.
فعلى المؤمنين أن يتحلّوا بالدعاء وطلب دفع البلاء بمختلف أنواعه حتى إن لم يبتل أحدهم ولم يصبهُ أي بلاء، فلابد من أن يكون سلاحهم الدعاء ولا يغفلون عنه في دفع ما قد قدَّره الله تعالى ونزل عليهم أو لم ينزل، لأنهم لا يعلمون ما هو البلاء الذي قد يحلّ بهم من الله تعالى أو ما هو قضاء الله تعالى وتقديره الذي قد ينزل بهم؟ ولا من أبتلي بالبلاء أحوج ممن لم يُبتلَ إلى الدعاء أو أحق به منه، فالجميع بحاجة إلى الترجي والدعاء والتوجه إلى الله سبحانه في قضاء الحوائج ودفع البلاء وشفاء المرضى وطلب الرَّزق، بالإضافة إلى الأمور الأخروية، كغفران الذنوب وتقبل الأعمال الصالحة وغيرها، فجاء تأكيدًا لكلامنا هذا ما روي عن أمير المؤمنين (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) أنَّه قال: (ما من أحد ابتلي وإن عظمت بلواه بأحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء)[8].
وعن أبي الحَسَن (عليه السَّلَام) قال: (كان علي بن الحسين (عليه السَّلَام) يقول: الدُّعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل)[9].
أي: فالجميع بحاجة إلى الدعاء في دفع البلاء واستنزال الرحمة الإلهية واللطف الإلهي بالعباد، فإن من وفقه الله تعالى إلى الدعاء في كف القضاء والقدر الإلهي وما حلّ به، فلابد للرحيم (عزَّ وجلّ) أن يستجيب دعاء عبده الذي لا يملك لا حول ولا قوَّة دونه، وإن هذا العبد الذي قد أبتلي إن لم يدع الله تعالى في كشف كربته وهمه واللطف بحاله فقد يصيبه جراء هذا البلاء ما لا تحمد عقباه، وهذا ما نفهمه من كلام جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق (عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) إذ أنَّه قال: (إنَّ الله تعالى ليدفع بالدّعاء الأمر الذي علمه أن يدعى له فيستجيب ولو لا ما وفق العبد من ذلك الدعاء لأصابه منه ما يجتثه من جديد الأرض)[10].
فإن دور الدعاء في دفع البلاء كبير جدًا، فهو مفتاح أبواب الرحمة الإلهية وبه تنال كل حوائج المحتاجين، ولا ينال ما يرجوه المؤمن من الله تعالى إلَّا به، فمن أكثر الدعاء في كشف الهم ودفع البلاء واستنزال الرحمة الإلهية، فسيتحقق له ما يريد منه سبحانه، فروي عن أبي عبد الله جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق (صلوات الله تعالى وسلامه عليهما) يقول: (الدُّعاء يرد القضاء بعد ما أبرم إبرامًا، فأكثر من الدُّعاء فإنَّه مفتاح كل رحمة، ونجاح كل حاجة، ولا ينال ما عند الله تعالى إِلَّا بالدُّعاء، وإنّه ليس باب يكثر قرعه إِلَّا ويوشك أن يفتح لصاحبه)[11].
وفي الختام نسأل الله تعالى العافية لجميع المسلمين والمؤمنين في كافة أرجاء المعمورة، والحمد لله ربّ العالمين، وصلَّى الله تعالى على نبيِّه محمَّد وآله الطيبين الطاهرين والغرّ الميامين المنتجبين...
الهوامش:
[1] مغني المحتاج، محمد بن أحمد الشربيني: 1/182.
[2] وسائل الشيعة آل البيت (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم)، الحر العاملي: 7/39.
[3] سورة غافر: 60.
[4] سورة البقرة: 186.
[5] مسند الإمام عَلِيّ (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، السيِّد حسن القبانجي: 2/338.
[6] سورة يونس: 98.
[7] مسند الإمام عَلِيّ (صلوات الله تعالى وسلامه عليه): 338.
[8] الأمالي، الشيخ الصدوق: 337.
[9] الكافي، الشيخ الكليني: 2/469.
[10] الوافي، الفيض الكاشاني: 9/1479.
[11] هداية الأُمَّة إلى أحكام الأئِمَّة (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم)، الحرّ العامليّ: 3/98.