الباحِث: سَلَام مَكِيّ خضَيّر الطَّائِيّ.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الأنبياء والمُرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، والغرّ الميامين المنتجبين، واللعن الدَّائِم على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدِّين...
فإن من الأمور الأخلاقيَّة التي أكَّدت عليها الشريعة الإسلامية، هي: أن لا يتكلم المرء أو يبدي رأيه في موضوعٍ ما إلَّا وله فيه علم ودراية تكون كفيلة له برجحان رأيه وكلامه، فمن أصول الحوار: بنائه على العلم الثقافة المعرفية للموضوع والوعي بما يدور من حديث بين المتحاورين.
فعلى المرء أن يبتعد عن الشك والظن وعدم الاطمئنان في الحديث الذي يدور بينه وبين المرء المُحاوِر، وأن لا يشكل على حديثه ويبدي رأيه، إلَّا إذا كان لديه إلمام في الموضوع الذي دار الحديث فيه، وأن لا يتكلم إلا بالكلام الحسن واللفظ الجميل وعدم اللجوء إلى العناد والمراء والجدال، فلو كان المُحاوِر فقيهًا وطرح موضوعًا فقهيًا أو أعطى حكمًا شرعيًّا، فلا يحق للمُحاوَر أو لمن ليس له علم في الفقه أو العلوم الدينية أن يشك في صحة طرح المعلومة الفقهية وأن لا يبدي اشكاله عليه، إلَّا إذا كان له في هذا باع وعلم ودراية، وكذلك لو طُرح موضوع أو مسألة اقتصاديّة فلا يحق لمن ليس له علم بالأمور الاقتصادية أن يعترض على صحة ذلك، وهذه من أهم أصول الحوار والتي أكَّد عليها الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، إذ إنَّه قال: (فَلَا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعْرِفُونَ)[1]، فقد يكون في الموضوع الفقهي نجاته بعد أن كان يجهله ولم يعلم بصحّته، أو قد يحصل في المسألة الاقتصادية على ربحٍ مضاعفٍ في تجارته مثلًا.
فعليه أن يستمع للكلام جيّدًا وعدم التسرع في الرَّد والاعتراض، فالإمام (عليه السَّلَام) أكَّد في كلامٍ آخر على النهي من التسرع والحكم على المقابل بالخطأ قبل التَّأكّد من صحة المعلومة قبل الحكم وإعطاء الرأي من دون سبق علم ومعرفة في الحديث، فقال (عليه السَّلَام): (فَإِنَّ أَكْثَرَ الْحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ)[2]، فما هذا إلا تأكيد للأمر بالتثبّت وحصول العلم والدراية في أقوال المقابل والنّهيّ عن التسرّع إليها، وقد ينكر الجاهل الحقّ إذا خالف طبعه أو نبا عنه فهمه أو سبق اعتقاد ضدّه إليه بشبهة أو تقليد فنبّه (عليه السَّلَام) على أنّ أكثر الحقّ فيما ينكرونه لئلَّا يتسرّعوا إلى القول من غير تأكيدٍ وعلم، ولذلك ذكر (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) هذه القضيّة مرتّبة بفاء التعليل[3] .
وعلى هذا الأساس فإن على الإنسان المؤمن أن لا يسعى إلى إثبات أفكاره الواضحة بأي ثمن كان، فكيف بالقضايا الخافية والمبهمة فهي الأولى في هذا المجال، فعندما لا يكون الحق جلياً وواضحاً فقد يتعرض الإنسان للانحراف عن المسيرة الصحيحة.
إن حالة الوعي والبصيرة يجب أن لا تقتصر على كلام الإنسان فحسب بل تشمل أيضاً الأسلوب والكيفية التي يستعملها في أدائه لهذا الكلام، فعليه أن يكون على دراية ووعي بهذه الأساليب، يقول الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) في هذا المجال: (إيَّاك والكلام فيما لا تعرف طريقته ولا تعلم حقيقته)[4].
فيجب على المرء أن لا يجادل ويعترض ويشكل على كلام الآخر من دون معرفة ولا دراية في الموضوع، فما يطلقه المرء من كلام وما يتفوه به إن دلّ على شيء لا يدلّ إلَّا نضج عقله ومعرفته بالموضوع الذي دار حوله النّقاش، فروي عن أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) أنَّه قال: (فإن قولك يدل على عقلك، وعبارتك تنبئ عن معرفتك)[5]، وقال (عليه السَّلَام): (يُستَدَلُّ عَلى عَقلِ كُلِّ امرِئ بِما يَجري عَلى لِسانِهِ[6].
وفي الختام: أن الحمد الله عزَّ وجلّ، والصَّلَاة والسَّلَام على نبيّه وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين والغرّ الميامين المنتجبين...
الهوامش:
[1] نهج البلاغة، خطب الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، خ87، تحقيق: صبحي الصَّالح.
[2] المصدر نفسه: خ87، تحقيق: صبحي الصَّالح.
[3] ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 2/302.
[4] عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي: 100.
[5] ميزان الحكمة، محمد الريشهري: 4/2777.
[6] موسوعة العقائد الإسلامية، محمد الريشهري: 273.