السَّيِّد: نبيل الحَسنِيّ الكربلائِيّ
الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين...
وبعد:
ابتلي الإسلام بأناس قلما نجد لهم نظيرًا في الأمم السابقة، بل لا نبالغ إذا قلنا: أنَّهم أسوأ شرًّا من عاقر ناقة صالح فيما لو استثنيا حرمة النبوة وما قول الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) حين ذُبِحَ ولده عبد الله الرَّضيع بين يديه : ((اللهم لا يكون عليك أهون من فصيل ناقة صالح) .
إلا كاشفٌ عن حجم الآثار التي خلفها أولئك الذين جلسوا في مجلس قيادة الأمة وساروا بها إلى التهلكة حتى بدت هذه الأمة عنواناً للانقلاب على قيم السماء وشريعة خاتم الأنبياء (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ولعل قراءة سيرة أحد هؤلاء القادة الذين شكلوا سمة من سمات القرن الأول للهجرة النبوية الذي وصف في الموروث الإسلامي بأنه ((خير القرون)) فيها الكفاية لما ابتلي فيه الإسلام، فمن هو شبث بن ربعي؟
يُكنَّى أبا عبد القدوس بن حصين بن عثيم بن ربيعة بن زيد بن رياح بن يربوع بن حنظلة من بني تميم([1]).
كان شبث بن ربعي قد قدم أبا بكر مع جمع من بني حنظلة بعد القضاء على ردتها، فأمره أبو بكر عليهم، وسرحه فقدم بهم على المثنى([2])، وكان شبث قد اتبع سجاح في ردتها وكان مؤذّنا لها([3])، وكان أول من أعان على قتل عثمان بن عفان([4]) وتتوافر عن شبث معلومات عن نشاطه بعد مقتل عثمان، فقد أيّد عائشة في حرب الجمل([5]).
ثم انضم إلى عَلِيّ ــ عليه السَّلَام ــ وشارك في صفّين، ولما عاد الإمام عَلِيّ ــ عليه السَّلَام ــ وانشق عليه الخوارج ونزلوا حروراء نادوا أن أمير القتال عليهم شبث بن ربعي التميمي، وأمير الصلاة عبد الله بن الكواء اليشكري([6])، ولم يذكر اشتراكه في معركة النهروان. وكان قد بنى مسجداً في الكوفة لغرض سب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فكان أحد المساجد الخمسة الملعونة في الكوفة التي نهى الإمام علي عليه السلام المسلمين عن الصلاة فيها([7]).
ولما استتبت الخلافة لمعاوية ولى المغيرة بن شعبة الكوفة، فكان شبث واحدا من عدد من القراء الذين حافظوا على وحدتهم، فأمر معاوية المغيرة بإلزامهم صلاة الجماعة([8])، وكان ممن شهد على حجر بن عدي([9])، وكاتب الإمام الحُسَين([10]) ــعليه السَّلَامــ، ولكنَّه ظلَّ على ولائه للأمويين، فكان أحد من طلب إليهم عبيد الله بن زياد أن يفرقوا الناس عن مسلم بن عقيل، وعقد له لواء فأخرجه لمقاتلة مسلم بن عقيل([11])، وشارك في قتال مسلم([12])، وكان على رجالة جيش عمر بن سعد الذي قاتل الإمام الحُسَين([13]) ــعليه السَّلَام ــ وحرض الناس على مقاتلته([14])، ثم انضم شبث إلى ابن مطيع في قتاله المختار([15])، وكان على الرّجالة معه نحو ثلاثة آلاف على خيله شيبان بن حريث([16])، وقاتل ابن الأشتر قائد المختار([17])، ثم انضم إلى المصعب عندما تقدم إلى الكوفة وكان مقربا إليه، ونصح الخوارج بالخروج من الكوفة كما نصح مصعباً ألا يلاحظ الخوارج بعد خروجهم من الكوفة)([18])، ومات بالمرض في الكوفة([19]).
أما دوره في الإفراغ العقائدي من الكوفة فيمكن ملاحظته في الشواهد الآتية:
أولاً: روى ابن عساكر عن أبي إسحاق السبيعي قال: حججت أنا وغلام فمررت بالمدينة فرأيت الناس عنقاً واحداً فاتبعتهم فأتوا أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسمعتها وهي تقول: يا شبث بن ربعي؟، فأجابها رجل جلف جاف: لبيك يا أمتاه، فقالت: أيسب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في ناديكم؟، قال: وأنّى ذلك؟ قالت: فعلي بن أبي طالب، قال: إنا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا.
فقالت: سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول:
«من سبَّ عَلِيًّا فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله»([20]).
ثانيًا: اتخاذه مسجدًا في الكوفة لسب الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) وهو في الكوفة فلم يعاقبه لذلك وانما اكتفى عليه السلام بالنهي عن الصلاة في هذا المسجد وثلاثة أخرى بنيت لهذا الغرض، أي سبب الإمام عليه السلام عبر مآذنها وأئمتها فكانت انموذجاً لانحراف المسهين الذين تركوا الثقلين وتمسكوا بأئمة الضلال فكانوا من الملعونين كما قالت ام سلمة وهي تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}[21].
الهوامش:
([1]) الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد: ج 6، ص 216.
([2]) الطبري: ج 1، ص 2189.
([3]) الطبري: ج 1، ص 1991. فتوح البلدان للبلاذري: ج1، ص119.
([4]) معرفة الثقات، للعجلي: ج1، ص448، برقم 714.
([5]) الطبري: ج 1، ص 3148.
([6]) الطبري: ج 1، ص 3349. المعيار والموازنة لأبي جعفر الاسكافي: ص 194. أنساب الأشراف للبلاذري: ص342.
([7]) جواهر الكلام للشيخ الجواهري: ج14، ص129. وسائل الشيعة: باب 43، من أبواب أحكام المساجد، الحديث: 5.
([8]) الطبري: ج 2، ص 27.
([9]) الطبري: ج 2، ص 133.
([10]) الطبري: ج 2، ص 234، 331. أنساب الأشراف: 2 ــ 2/158.
([11]) الطبري: ج 2، ص 257.
([12]) الطبري: ج 2، ص 272.
([13]) الطبري: ج 2، ص 326. أنساب الأشراف: ج 5، ص 178.
([14]) الطبري: ج 2، ص 243.
([15]) الطبري: ج 2، ص 614، 619. أنساب الأشراف: ج 5، ص 212.
([16]) الطبري: ج 2، ص 621. أنساب الأشراف: ج 5، ص 226.
([17]) الطبري: ج 2، ص 657.
([18]) الكوفة وأهلها في صدر الإسلام لأحمد صالح العلي: ص 482، 484.
([19]) أنساب الأشراف للبلاذري: 340.
([20]) تاريخ دمشق لابن عساكر: ج42، ص533. المستدرك للحاكم النيسابوري: ج3، ص121.
[21] الأحزاب: 75.