عليّ عباس فاضل
الحمدُ لله ربّ العالمين والصَّلَاة والسَّلَام على المبعوث رحمة للعالمين، أبي القاسم مُحَمَّدٍ وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين، وبعد...
الكرم من الصفات الحميدة التي يتصف بها الإنسان، وقد عُدَّ الكرم من الشجاعة لما لكريم من شجاعة الإعطاء وشهامة البذل للمقابل، وقد عرف عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وأهل بيته اتصافهم بكرم منقطع النَّظير، فهم سند لمن لا سند له، يبذلون كل ما يملكون في سبيل الله، حتى نفوسهم والجود بالنفس أقصى غاية الجود، ومما يطالعنا في سيرة أهل البيت (عليهم السَّلَام) ما نزل من القرآن الكريم عن كرمهم وسخائهم، قال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾([1]).
ومن أهل البيت الذين اتصفوا بالكرم الإمام الحسن المُجْتَبَى (عليه السَّلَام)، وله في ذلك أقوال وحكم كثيرة نأخذ بعضًا منها، قوله (عليه السَّلَام): (أما الكرم فالتبرع بالمعروف والاعطاء قبل السؤال والإطعام في المحل)([2])، وروي (التَّبَرُّعُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْإِعْطَاءُ قَبْلَ السُّؤَالِ، مِنْ أَكْبَرِ السُّؤْدَدِ)([3])، فالإمام (عليه السَّلَام) يحث على التبرع للمعروف، والإعطاء قبل السؤال لأنفي السؤال إراقة لماء وجه السائل، فحفاظا على حياء السائل كان الإمام (عليه السَّلَام) يعطيه حاجته قبل سؤاله له، ويصف ذلك بأنه أكبر السؤدد، أي هو من أعظم مراتب المجد والشرف.
ومن أقٌواله (عليه السَّلَام): (إِنَّ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِ قُوَّةً فِي دِينٍ، وَ كَرَماً فِي لِينٍ، وَ حَزْماً فِي عِلْمٍ، وَ عِلْماً فِي حِلْمٍ، وَ تَوْسِعَةً فِي نَفَقَةٍ، وَ قَصْداً فِي عِبَادَةٍ...)([4])، فقد جعل الإمام الحسن (عليه السَّلَام) الكرم من أخلاق المؤمن، فلا بد للمؤمن أن يكون كريما لا بخيلا، وهو الصفة الثانية بعد قوة الدين، ويجب أن يكون مقرونا باللين لا بالغلظة، حتى يكون الكرم على أتم وجه، لأن الكرم من المعروف وقد قال (عليه السَّلَام) عنه: (الْمَعْرُوفُ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مَطْلٌ، وَ لَمْ يَتْبَعْهُ مَنٌ)([5])، وقال عن البخل وقد سئل عنه: (البُخلُ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ مَا أَنْفَقَهُ تَلَفاً، وَ مَا أَمْسَكَهُ شَرَفاً)([6])، ولا بد للكريم أن لا يتبع كرمه بالمنة والرياء، والأفضل أن يكون سرًّا، وأن لا يعدد ما قام به من أفعال الكرم لأن ذلك يكون مدعاة إلى محق كل ما فعله، روي عن الإمام الحسن (عليه السَّلَام) قوله: (مَنْ عَدَّدَ نِعَمَهُ مَحَقَ كَرَمَهُ)([7]).
وأوسع ما يكون من الكريم العفو والمغفرة عند المقدرة، فالعفو عن الذنب من الكرم الذي يتصف به المؤمن الحقّ، قال (عليه السَّلَام): (أَوْسَعُ مَا يَكُونُ الْكَرِيمُ بِالْمَغْفِرَةِ إِذَا ضَاقَتْ بِالْمُذْنِبِ الْمَعْذِرَةُ)([8])، وكان الإمام الحسن (عليه السَّلَام) مثالا لهذا القول فعلا إذ روي عن(الامام الحَسَن بن عَلِيّ المُجْتَبَى (عليه السَّلَام) وَقَدْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ فُلَاناً يَقَعُ فِيكَ. فَقَالَ (عليه السَّلَام): ((أَبْقَيْتَنِي فِي تَعَبٍ، أُرِيدُ الْآنَ أَنْ أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ لِي وَ لَهُ)))([9])، فكان منه العفو سجية، ثم لم يكتف بالعفو عن المذبب، بل بالدّعاء له بالمغفرة عن ذنبه الذي أذنبه.
وختاما: نسأل الله العَلِيّ القدير أن يجعلنا مع مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله) في الدُّنيا والآخرة، إنّه سميعٌ مُجِيب...
الهوامش:
([1]) سورة الإنسان: 8- 9.
([2]) تاريخ دمشق: 13/ 258.
([3])نزهة الناظر و تنبيه الخاطر: 71.
([4]) جامع الأخبار، محمد الشعيري: 123، نزهة الناظر و تنبيه الخاطر: 76.
([5])أعيان الشيعة: 1/ 572، نزهة الناظر و تنبيه الخاطر: 71.
([6])ميزان الحكمة: 6/ 290، نزهة الناظر و تنبيه الخاطر: 71.
([7]) بحار الأنوار: 78/ 115، نزهة الناظر و تنبيه الخاطر: 71.
([8]) نهاية الأرب في فنون الأدب: 3/ 258، بحار الأنوار: 78/ 115، نزهة الناظر و تنبيه الخاطر: 78.
([9]) نزهة الناظر و تنبيه الخاطر: 76.