أثر صحيح البخاري في إثبات حقيقة وجود ثلاثة أشخاص في آية الغار

مقالات وبحوث

أثر صحيح البخاري في إثبات حقيقة وجود ثلاثة أشخاص في آية الغار

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 24-10-2020

بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي

«الْحَمْدُ لله الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَة، وَالْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ مَنْصَبَة، خَلَقَ الْخَلاَئِقَ بِقُدْرَتِهِ، وَاسْتَعْبَدَ الأرْبَابَ بِعِزَّتِهِ»[1]
اللهم «اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ - ونَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ، وَأَمِينكَ المَأمُون، وَخَازِنِ عِلْمِكَ المَخْزُون، وَشَهِيدِكَ يَوْمَ الدَّينِ، وبَعِيثُكَ إلى الْحَقِّ، وَرَسُولِكِ إِلى اَلْخَلْقِ»[2].
وعلى أهل بيته أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد
يحتل صحيح البخاري مكانة كبيرة في المكتبة الإسلامية لدى أبناء السنة والجماعة فهو أحد مصادر التشريع لديهم إن لم يكن من أهمها إطلاقاً؛ بلحاظ انه الجامع لصحيح الحديث النبوي الشريف وان السنة هي الشارحة للقرآن.
ولقد تعالت شهادات بعض علماء السنة حول الجامع الصحيح إلى الحد الذي يدفع بالمسلم إلى أن يجد فيه ما لم يجد في القرآن الكريم من الخير ودفع الضر وهو أمر لا يمكن نكرانه، فقد روّج له أئمة الخلف بشكل كبير وصرفوا فيه الغالي والنفيس، حتى بات أحد مكونات الميثولوجيا العالمية([3]).
ومن هذه الأقوال:
1 ــ قال الحافظ الذهبي وهو يمنح شهادته لهذا الكتاب:
(وأما جامع البخاري الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله)([4]).
2 ــ قال الحافظ ابن كثير:
(وكتابه الصحيح يستقى بقراءته الغمام، واجمع العلماء على قبوله وصحة ما فيه، وكذلك سائر أهل الإسلام)([5]).
3 ــ روى القسطلاني: (أن صحيح البخاري ما يقرأ في شدة إلا فرجت، ولا ركب به في مركب فغرقت)([6]).
وعليه:
فإن إخراج البخاري في صحيحه لهذه الرواية مع ما حظي به من قداسة وشرافة وتسليم وتصديق يدفع بالمسلم إلى الأخذ بها، أي بهذه الرواية والتسليم لهذه الحقيقة التي تنص على أن الذين كانوا في الغار ثلاثة.
ومن ثم لا يوجد دليل قطعي في انحصار التثنية والصحبة والخطاب في أبي بكر دون الشخص الثالث الذي نص البخاري ومن قبله الصنعاني، ومن ثم البيهقي وابن عساكر، والزمخشري، والذهبي، وغيرهم على وجوده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر في الغار.
وعليه:
فإن حصر الآية في أبي بكر كان من مكر الساسة الذين بذلوا قصارى جهدهم وبكل ما أوتوا من قوة كي لا ينازعهم أحدٌ في (سلطان محمد وإمارته)([7]).
ولكن من هو هذا الشخص الثالث الذي أخفي من غار ثور وأدخل في غار المكر والتعتيم كي لا يعرقل وصول حكام بني أمية إلى السلطة والإمارة والتحكم برقاب المسلمين ومقدراتهم حتى لم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه؟([8]).
حتى تفرقت الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة([9]).
ولا شك أن سنة التفرقة شملت أصحاب الغار فقد قُدم أبو بكر واُخر الشخص الثالث فمن هو؟
وجوابه عند عائشة بنت أبي بكر التي أخرج لها محمد بن إسماعيل البخاري في الجامع الصحيح عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت:
(هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين، وتجهز أبو بكر مهاجراً فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي.
فقال أبو بكر: أو ترجوه بأبي أنت؟
قال: نعم.
فحبس أبو بكر نفسه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر.
قال عروة، قالت عائشة: فبينما نحن يوماً جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة، فقال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله مقبلاً متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها؟
قال أبو بكر: فدا له بأبي وأمي، والله إن جاء به في هذه الساعة إلا لأمر، فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمر فاستأذن فأذن له فدخل، فقال حين دخل لأبي بكر:
أخرج من عندك.
قال: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله؟
قال: فإني قد أذن لي في الخروج.
قال: فالصحبة بأبي أنت يا رسول الله؟
قال: نعم.
قال: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين.
قال النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم: بالثمن.
قالت: فجهزناهما أحث الجهاز، ووضعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأولت به الجراب ولذلك كانت تسمى ذات النطاق ثم لحق النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور، فمكث فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب لقن ثقف، فيرحل من عندهما سحراً، فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمراً يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام.
ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسلها حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث)([10]).
والموضع الذي ينص على أن الذين كانوا في الغار ثلاثة أشخاص هو:
(فمكث فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر).
وقد نص على وجود عبد الله بن أبي بكر في الغار مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر إلى حين خروجهما منه، أي خلال ثلاث ليال غير واحد من الحفاظ.
وهؤلاء وغيرهم قد رووا هذا الحديث تدويناً وتحديثاً وهم يتناقلون هذا الحديث منذ القرن الثاني للهجرة وإلى يومنا هذا.
وقد حاول البعض، بل الكثير من الحفاظ التعتيم بشكل كبير على نقل هذا الحديث، فمنهم من ذكره وقد حذف منه مبيت عبد الله بن أبي بكر في الغار لثلاث ليال مع أبيه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ كأحمد بن حنبل، وابن راهويه، وغيرهما([11])؛ ومنهم من لم يذكره أصلاً وكأن عائشة لم تحدث به.
بل قد تجنبه بعض شراح البخاري لاسيما ابن حجر العسقلاني في فتح الباري فلم يذكر المبيت([12]).
وذلك لعدم تنبيه المسلمين إلى حقيقة هذه المرتكزات الثلاثة التي نادى بها عمر بن الخطاب في سقيفة بني ساعدة.
1 ــ ثاني اثنين.
2 ــ إذ يقول لصاحبه.
3 ــ إن الله معنا.
وعليه:
1 ــ فإن ثاني اثنين يمكن أن يكون هو عبد الله بن أبي بكر وفي نفس الوقت يمكن أن يكون أبا بكر.
2 ــ كما أن الصحبة حالها في ذاك حال التثنية فهنا يكون كلٌّ من عبد الله ابن أبي بكر وأبيه صاحباً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
3 ــ وكذلك حال المعية في قوله تعالى: >ﯚ  ﯛ  ﯜ<، فهي متعدية لكل واحدٍ منهما.
ومن ثم لا يوجد دليل قطعي يجعل الآية محصورة بأبي بكر دون ولده عبد الله الذي كان في الغار خلال المدّة التي بقي فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم والبالغة ثلاث ليال.
ولعل هناك من يسأل قائلاً: إن نفي الحصر في كون الآية في عبد الله بن أبي بكر كذاك قائم؟
ونقول: بل إن الأدلة تنفي اختصاص أبي بكر بآية الغار وتثبت أنها في ولده، فضلاً عن أن إثباتها في أبي بكر يشين أبا بكر ويذمّه ولكن هذا الذي يصر عليه القوم وبه متمسكون، في حين وجدنا ومن خلال البحث أن (الحزن) هو الباعث الذي دفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن يقول لصاحبه: > ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ<، متحقق في عبد الله بن أبي بكر وليس في أبي بكر[13]

الهوامش:
[1] نهج البلاغة بتحقيق الشيخ قيس العطار: ص409، ط: العتبة العلوية المقدسة.
[2] المصدر السابق: ص170-171.
([3]) للمزيد من الاطلاع أنظر كتابنا الموسوم (تكسير الأصنام بين تصريح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعتيم البخاري دراسة في الميثولوجيا والتاريخ ورواية الحديث).
([4]) تاريخ الإسلام للذهبي: ج19، ص242.
([5]) البداية والنهاية لابن كثير: ج11، ص30.
([6]) إرشاد الساري للقسطلاني: ج1، ص29.
([7]) هذا القول لعمر بن الخطاب في سقيفة بني ساعدة (تاريخ الطبري: ج2، ص457).
([8]) روى الخزاز القمي، والبيهقي، والقندوزي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل في النعل والقذة بالقذة، وإن الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى، ويأتي على أمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، فحينئذ يأخذ الله له بالخروج فيظهر الإسلام ويجدد الدين»؛ وقد اختصره البيهقي وغيره، أنظر: (كفاية الأثر للخزار القمي: ص15؛ كمال الدين للصدوق، ولم يذكر السند: ص66؛ شعب الإيمان للبيهقي: ج2، ص311؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج3، ص283.
([9]) أنظر: مسند أحمد: ج2، ص332؛ سنن ابن ماجه: ج2، ص1321؛ سنن أبي داود: ج2، ص390؛ سنن الترمذي: ج4، ص134؛ مستدرك الحاكم: ج1، ص6.
([10]) أخرجه البخاري في كتاب بداء الخلق، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ج4، ص256؛ وفي كتاب اللباس: ج7، ص39.
([11]) مسند أحمد بن حنبل: ج6، ص198؛ مسند ابن راهويه: ج2، ص327؛ صحيح ابن حبان: ج14، ص18.
([12]) فتح الباري لابن حجر: ج7، ص185.
[13] لمزيد من الاطلاع: ينظر: استنطاق آية الغار وإشكالية التنصيص الحديثي بين التثنية والتثليث، للسيد نبيل الحسني الكربلائي، ص30-36.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2833 Seconds