الإمام العسكري... بطاقة تعريف والدور الأهم

مقالات وبحوث

الإمام العسكري... بطاقة تعريف والدور الأهم

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 25-10-2020

خُطَى الخُزَاعي

(وأنّ اللّه تبارك وتعالى ركّب في صلبه [(أي علىّ الهادي (عليه السلام)] نطفة، وسمّاها عنده الحسن، فجعله نوراً في بلاده، وخليفة في أرضه، وعزّاً لأُمّة جدّه، وهادياً لشيعته وشفيعًا لهم عند ربه، ونقمه على من خالفه، وحجه لمن والاه وبرهانًا لمن اتخذه إمامًا)([1])، (ويخرج من صلب علي (أي الإمام الهادي) الحسن الميمون النقي الطاهر الناطق عن الله، وأبو حجة الله)([2]).
هكذا قدَّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إمامنا الحسن بن علي العسكري (صلوات الله وسلامه عليه) مسميًّا وواصفًا قبل مقدمه المبارك بما يزيد على القرنين من الزمان، بمعرض أحاديث له عن الخلفاء من بعده، والعسكري حادي عشر الخلفاء الموعودة بهم الأمة، أُتحفت الدنيا بولادته في شهر ربيع الثاني في اليوم العاشر منه من سنة اثنتين وثلاثين ومئتين من الهجرة وهو يوم شريف، عظيم البركة([3])، وذكروا أنَّ محل ولادته المدينة وقيل سرَّ من رأى([4])، وأُمه أُم ولد أسمها على مارواه أصحاب الحديث سليل (رضي الله عنها)، وقيل: حديث والصحيح سليل، وكانت من العارفات الصالحات([5])، أشتهر (عليه السلام) بألقاب منها: الصامت، الهادي، الرفيق، الزكي، السراج، المضئ، المرضي، الحسن العسكري، الشافي([6])، تسلم مهام الإمامة الإلهية بعد استشهاد والده الإمام الهادي النقي (صلوات الله وسلامه عليه) في السنة الثانية والعشرين من عمره الشريف، وكانت مدة إمامته ست سنين([7])، أمَّا محور أدوار إمامته كان التمهيد لإمامة الإمام الخاتم (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، والتوطئة للغيبة أهم مستجدات هذه المرحلة، وممَّا ذكر عن حاله (صلوات الله وسلامه عليه) بهذا الشأن أنَّه كان يكلّم شيعته الخواصّ وغيرهم من وراء الستر إلاّ في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان([8])، وقد جيَّر(صلوات الله وسلامه عليه) اجراءات تعسف السلطة العباسية الغاشمة بحقه من سجن وإبعاد عن الأصحاب والقواعد الموالية في عملية التوطئة تلك، ويُذكر أنَّ الإمام قد عاصر بقية ملك المعتز أشهرًا، ثم ملك المهتدى يومين، ثم ملك المقتدى أحد عشر شهرًا وثمانية عشر يومًا، ثم ملك أحمد المعتمد بن جعفر المتوكل خمس سنين واستشهد في عصره([9])، وقد مارس هؤلاء الحكام السجن والتضييق بحق الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) حرصًا منهم على ملك متضعضع مهترئ، ولعل الإمام العسكري كان أكثر الأئمة تعرضًا للمراقبة المشَدَّدة من لدن السلطة قياسًا بغيره من الأئمة السابقين، إذ لم تأل جهدًا ولم تترك وسيلة في التعرف على تفاصيل حياة الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) بيسيرها وخطيرها ضمن سياسة البحث عن الإمام الخاتم (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) الذي أرَّقت فكرة وجوده المبارك حكام الضلالة آنذاك وقضَّت مضاجعهم، ومن نماذج مضايقة الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) والتشديد عليه إيداعه مرات متكررة في السجون وممَّا يذكر في هذا الخصوص، أنَّه سُلِّم في وقت ما إلى أحد زبانية السلطة الحاقدة الناصبة ويدعى نحرير، فكان يضيّق عليه ويؤذيه، فقالت له امرأته مرة: ويلك، اتّق اللّه! لا تدري من في منزلك، وعرّفته صلاحه، وقالت: إنّي أخاف عليك منه، فقال: لأرمينّه بين السباع، ثمّ فعل ذلك به، فرؤي (عليه السلام) قائماً يصلّي، وهي حوله([10])، وممّا روي أيضًا من حالة التشديد عليه في سجنه أنَّه (عليه السلام) كان الموكّلون به لا يفارقون باب الموضع الذي حبس فيه (عليه السلام) بالليل والنهار، وكان يعزل في كلّ خمسة أيّام الموكّلين، ويولّي آخرين بعد أن يجدّد عليهم الوصيّة بحفظه، والتوفّر على ملازمة بابه([11])، إضافة إلى عمليات المداهمة التي كانت تمارسها السلطات على بيت الإمام والتفتيش بين المدة والمدة على أمل الظفر بالإمام الثاني عشر.
ومهما يكن من أمر فقد نجح الإمام العسكري (عليه السلام) في أداء مهمته على خير ما يكون، فأغنى بهذا القدر المتاح له على ضيقه متطلبات الدين المرحلية وأهمها حفظ الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) وتهيئة القواعد الشيعية لظرف إمامته غير المسبوق.
اغتالته سلطة المعتمد الغاشمة في يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين ودفن في داره في البيت الذي دفن فيه أبوه بسر من رأى وأمه([12]).
 والمسك عاطر كلام من توقيع له على اختلاف أهل زمانه، نقتطع من التوقيع منتخبًا يحكي حال معاصريه المشابه لحال الناس في كل زمان، فقال:(الناس على طبقات مختلفين شتى: فالمستبصر على سبيل نجاة متمسك بالحق، فيتعلق بفرع أصيل، غير شاك ولا مرتاب، لا يجد عني ملجأ، وطبقة لم يأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه، وطبقة استحوذ عليهم الشيطان، شأنهم الرد على أهل الحق، ودفع الحق بالباطل حسدًا من عند أنفسهم، فدع من ذهب يمينًا وشمالًا كالراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها بأدون السعي...)([13]).
وصلى الله على الإمام عزِّ الأُمة الميمون النقي الطاهر أبي الحجة الموعود صلاة كثيرة متنامية ورحمة الله وبركاته.

الهوامش:
[1])) عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق (ت: 381): 1/64.
[2])) بحار الأنوار، العلامة المجلسي (ت:1111): 36/313.
[3])) مسار الشيعة في مختصر تواريخ الشريعة، الشيخ المفيد(ت: 413): 52.
[4])) روضة الواعظين، الفتال النيسابوري(ت: 508): 251.
[5])) بحار الأنوار: 50/238.
[6])) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب (ت:588): 3/523.
[7])) تاج المواليد: الشيخ الطبرسي (ت:548): 58.
[8])) النجم الثاقب، ميرزا حسين النوري الطبرسي (ت: 1320):1/161.
[9])) دلائل الامامة، محمد بن جرير الطبري (ت: ق4): 157.
[10])) الكافي: 1/513.
[11])) مدينة المعاجز، هاشم البحراني(ت:1107)، 7/602.
[12])) الكافي: 1/503.
[13])) بحار الأنوار: 2/181.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2922 Seconds