من الأمثال العربية في نهج البلاغة: قوله (عليه السلام) ((بَعْدَ اللتيا وَالّتي))

مقالات وبحوث

من الأمثال العربية في نهج البلاغة: قوله (عليه السلام) ((بَعْدَ اللتيا وَالّتي))

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 14-03-2021

بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم/ الجامعة العربية

((الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..
وبعد:

قوله عليه السلام ((بعد اللتيا والتي))[1]

جاء استعمال قول الإمام (عليه السلام) للمثل (هيهات بعد اللتيا والتي)[2] ضمن كلامه:
(... فإن أُقل يقولوا: حَرص على الملك، وإن اسكت يقولوا: جزع من الموت،  هيهات بعد اللتيا والتي والله لابنُ أبي طالب آنسُ بالموت من الطفل بثدي أمّه)[3] وهذا الخطاب جاء بعد أن بُويع أبو بكر،  بعد أحداث السقيفة، خلا الزبير وأبا سفيان وجماعة من المهاجرين والعباس وعلياً (عليه السلام) وتكلموا بكلام يقتضي الاستنهاض والتهيج فقال العباس قد سمعنا قولكم إلى آخر قوله[4].
كان موقف أبي سفيان معروفاً إزاء الدين الإسلامي فقد وصفه الطبري برواية قال[5]:- لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر، أقبل أبو سفيان وهو يقول: والله إني لأرى عجاجة لايطفئها إلا دم: يا آل عبد مناف فيم أبو بكر من أموركم أين المستضعفان؟ أين الأذلان علي والعباس؟ وقال: أبا حسن ابسط يدك حتى أبايعك فأبى علي عليه... قال: فزجرهُ علي وقال: انك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة وإنك والله طالماً بغيت للإسلام شراً لا حاجة لنا في نصيحتك.
وأورد روايتين أخريين بهذا الشأن[6] والإمام (عليه السلام) جاء جوابه مخاطباً -كما في النهج- العباس وأبا سفيان وبعض المهاجرين بهذا الخطاب إلى قوله:- هيهات بعد اللّتيا والتي، وهيهات اسم فعل ماضٍ بمعنى بَعُدَ، فهي كلمة تبعيد واستعمال الإمام علي (عليه السلام) للمثل بعد كلمة هيهات موظفة توظيفاً كاملاً لفهمه الكامل للمثل المضروب لأن ما عرف عند العرب في معنى اللّتيا والتي، بأنهما الداهية الكبيرة والصغيرة، وكنى عن الكبيرة بلفظ التصغير تشبهاً بالحية فإنها إذا كثر سمّها صغرت لأن السم  يأكل جسدها.[7]
واللّتيا تصغير التي[8] والصحيح قولهم بعد اللّتيا والتي، أي وصلت إليه بعد أن لقيت صغير المكاره وكيدها، قال الشاعر[9]:
((وكفيت جانبها اللتيا والتي))
أي كفيتها الصغير والكبير من الأمور،  وهذا ما أراد قوله الإمام لإفهام سامعيه.
فهو قد خاطب من كان يرميه بالجزع بعد ما ركب الشداد وقاسى المخاطر صغيرها وكبيرها في الذود عن الإسلام ونصرة نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا هابَ الموت يوماً ولا جزع منه، فقد وقف حاملاً لواء الإسلام بوجه المخاطر صغيرها وكبيرها [10] وقوله هيهات نفي لما عساهم يظنون من جزعه من الموت عند سكوته وقوله السابق للمثل هو دليل ما قلنا:(فإن أُقل يقولوا حَرص على الملك، وإن أسكت يقولوا جزع من الموت).
وقيل في أصل المثل ((إن رجلاً من جديس تزوج امرأة قصيرة فقاسى منها الشدائد،  وكان يعبر عنها بالتصغير فتزوج امرأة طويلة فقاسى منها ضعف ما قاسى في الصغيرة  فطلقها،  وقال: بعد اللتيا والتي لا أتزوج أبداً فجرى ذلك على الداهية.[11] .[12].

الهوامش:
[1]- الميداني: مجمع الأمثال 1/159.
[2]- نهج البلاغة، خطبة رقم (5)
[3]- ابن أبي الحديد: شرح النهج 1/218.
[4]- المصدر نفسه.
[5]- الطبري: محمد بن جرير (ت310هـ) تاريخ الامم والملوك، المعروف بتاريخ الطبري، ط 1،  دار الكتاب العربي، بغداد، 1426هـ- 2005م، 2/219.
[6]- المصدر السابق، 2/2190-220
[7]- الميداني:  مجمع الامثال، 1/159
[8]- أبو هلال العسكري: جمهرة الأمثال، 1/159
[9]- لم اقف على اسم الشاعر.
[10]- أنظر: المصادر التاريخية كافة ذكرت بطولات الإمام علي (عليه السلام) ودفاعه عن الإسلام وما قام الإسلام إلا بسيفه وتركت ذكرها لأنها من الأمور المشهورة التي لا يختلف عليها اثنان.
[11]- الميداني: مجمع الأمثال، 1/160
[12]لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 88 –90.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2424 Seconds