من مرويات الإمام علي (عليه السلام) في لسان العرب....

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من مرويات الإمام علي (عليه السلام) في لسان العرب....

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 26-05-2021

أولاً: أبنية اسم الفاعل
4. بيان معنى (مُتَمَاحِل) في قوله (عليه السلام) ((إنّ منْ وَرائكُم أمورًا مُتَمَاحِلَة))
بقلم: د. سعيد عكاب عبد العالي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطُفي من الخلق، وانتُجب من الورى، محمد وآله أُلي الفضل والنُّهى.
وبعد:
يُصَاغ اسمِ الفَاعلِ من غيرِ الثُّلاثيّ؛ فتكون بإبدالِ حرفِ المضارعِةِ ميمًا مَضمومةً وكسرِ مَا قبلَ الآخرِ([1]). وبناء اسمِ الفـاعلِ من غيرِ الثُّـلاثيّ وردَ في المرويَّاتِ نحو(ثماني عشرة) مرَّةً، وليسَ موضوعُ البحث إحصاءَ هذه الأبنيةِ، وإنَّمَا الغرضُ منه تبيانُ دَلالـةِ البنيةِ داخلَ السِّيـاقِ المُستعمَلَة فيهِ، ومنها ما يأتي:
1ـ قالَ ابنُ منظور في بيانِ معنى كلمةِ(مُتَمَاحِل): «والمُتَمَاحِلُ: الطَّوِيلُ. وفي حَدِيثِ عَلِيٍّ: إِنَّ مِنْ ورائكم أُمورًا مُتَمَاحِلَة، أَي: فِتَنًا طَوِيلَةَ المُدَّةِ تطولُ أَيَّامُها ويَعْظُمُ خَطَرُها ويَشتدُّ كَلَبُها، وقِيلَ: يَطُولُ أَمرها»([2]).
وصيغةُ(مُتَمَاحِلَة) اسمُ فاعلٍ من(تَمَاحَلَ)، على زِنةِ(تَفَاعَل)، «تَفَاعَلَ يتفَاعلُ تَفَاعلًا واسمُ الفاعِلِ علَى: مُتفاعِل والمفعول متفاعَل»([3])، ومعناهَا، طَويلةُ المدَّةِ، كمَا قالَ ابنُ الجوزيّ(ت597هـ): «أمورًا متماحلةً، أَي: فتنًا طَوِيلَةَ المدَّةِ، والمتماحلُ من الرِّجَالِ: الطَّوِيلُ»([4])، ويُطْلَقُ علَى الأَمُورِ والفِتَنِ مَجَازًا، «ومِنِ المَجَازِ: أمرٌ مُتَمَاحِلٌ، وفِتْنَةٌ مُتَمَاحِلَةٌ: مُتَطَاوِلَةٌ لا تَكَادُ تَنْقضِي»([5]).
جَاءَ تعبيرُ الإمامِ عَلِيٍّ(عليه السَّلام) باسمِ الفاعلِ(مُتَمَاحِل) للدَّلالةِ على الاستمرارِ والتَّجدُّد لمنْ عاشَ الفتنةَ؛ لأنَّ الفتنَ الطَّويلةَ تجعلُ الإنسانَ مضطربًا، يخرجُ من أمرٍ ويدخلُ في أمرٍ آخَر، ولا يكادُ يميزُ الصَّوابَ من الخطأ، والمُتَمَاحل: البعيد الممتدُّ([6])، ولا يناسبُ هذا المقامَ إلَّا اسمُ الفاعلِ(مُتَمَاحِل) من الفعلِ(تَمَاحَل) الَّذي يدلُّ على المُشاركةِ؛ فالإنسانُ ينفعلُ مع الفتنةِ فيشارك غيرَه فيها، فإمَّا أنْ يتمالكَ نفسَهُ فينجو، أو يَركْس فيها، فيخسر الدُّنيا والآخرةَ، ولو جَاء بالفعلِ(تَتَمَاحَل) بدلًا من اسمِ الفاعلِ، لكانَ الأمرُ يقتصرُ على زمنِ الفعلِ ولا يتعدَّاهُ، ومن جانبٍ آخر، لو عبَّرَ باسمِ الفاعلِ من الفعلِ الثُّلاثيّ الَّذي لا يدلُّ على المشاركةِ(مَاحَل)؛ لكانتِ الفتنةُ طويلةً بنفسِهَا، والفتنةُ لا تطولُ بنفسِهَا، وإنَّما تطولُ بمشاركةِ النَّاس فيها، وركونهم إليهَا، فأتى بـ(مُتَمَاحِلَة)؛ ليدلَّ علَى ذلكَ.([7]).

 الهوامش:
[1]   ينظر: المقتضب: 1/74، وشـرح الأشموني: 2/244، وشـرح ابن عقيل: 3/137.
[2]   لسان العرب(محل): 11/617.
[3]   الأصول في النحو: 3/227.
[4]   غريب الحديث (م ح ل): 2/346.
[5]   أساس البلاغة (م ح ل)، للزمخشري: 2/197.
[6]   ينظر: نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، للمحمودي: 2/665.
[7] لمزيد من الاطلاع ينظر: مرويات الامام علي عليه السلام في لسان العرب: سعيد عكاب عبد العالي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 52 – 53.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2672 Seconds