رابعاً المقاصدية في جعل التولية لأبني فاطمة (عليهم السلام) قربة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
الحلقة الثانية: قصدية التلازم بين القربة إلى الله والقربة إلى رسوله (صلى الله عليه وآله) ووحدة المنشأ بينهما (عليهما السلام)
بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نِعَمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على حبيبه المنتجب ورسوله المصطفى أبي القاسم محمد وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد:
اشتملت وصية أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في أمواله على جملة من العنوانات الشرعية والعقدية، فضلاً عن اكتنازها للعديد من المصاديق والمفاهيم الأخلاقية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية وغيرها، وهو ما ستعرض له عبر جملة من المقالات، وهي على النحو الآتي:
ثانيًا قصدية التلازم بين القربة الى الله والقربة الى رسوله (صلى الله عليه وآله) ووحدة المنشأ بينهما
إنّ الوصول الى مقام (وجه الله) تعالى الذي جعله الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) غاية في قصدية الانفاق لينال بذلك الرفعة عند الله تعالى متحقق في القربة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وذلك (إن القربة والتقرب طلب الرفعة عند الله تعالى بواسطة نيل الثواب)[1].
وهذه القصدية متحققة في القرب الى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بمعنى:
إنّ القربة والتقرب التي تحقق الرفعة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي في حقيقتها وغايتها تحقق الرفعة عند الله تعالى.
وذلك لوحدة المنشأ بين القربين، القرب لله والقرب لرسول الله (صلى الله عليه وآله).
وقد دلت عليه كثير من الآيات المباركة، منها:
1- ففي وحدة الإتباع قال تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾[2].
2- وفي وحدة الطاعة، قال تعالى:
﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾[3].
ونلاحظ هنا ان الطاعة جاءت في توجيه المسلم بدون فاصلة بين الله تعالى والرسول (صلى الله عليه وآله)، وقال تعالى في امر الطاعة له ولرسوله (صلى الله عليه وآله):
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾[4].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾[5].
وغيرها من الآيات الخاصة في التلازم بين طاعة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).
3- وفي وحدة التحذير من معصية الله ومعصية الرسول (صلى الله عليه وآله) قال سبحانه:
﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾[6].
4- وفي وحدة الحكم والقضاء بين الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) قال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾[7].
5- وفي وحدة اعلان الحرب على العدو، قال تعالى:
﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾[8].
6- وفي تحديد الوجهة والهجرة ووحدة التلازم فيهما الى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾[9].
7- وفي وحدة التبرّي من المشركين والمنافقين قال تعالى:
﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[10].
8- وفي وحدة التفضيل على الخلق قال تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾[11].
وغيرها من الآيات الكثيرة التي تقدم حقيقة الملازمة في النيات والاعمال والاثار والنتائج والمقاصد بين الله تعالى ورسوله المصطفى (صلى الله عليه وآله).
ومنها القربة الى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) كما جاء في النص الشريف عنه (عليه الصلاة والسلام) بقوله:
«قربة الى رسول الله».
أي: إنّ القربة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ابني فاطمة (عليهم السلام) هو قربة الى الله تعالى، وانها مصداق قوله تعالى:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ....﴾[12].
بمعنى:
إنّ الاخلاص في الدين والذي جعل قاعدة واساساً للامتثال في عبادته يكون من خلال ما اراد الله ومن خلال ما امر الله تعالى به.
ومن امره عز وجل اعطاء الاقرب احقيته في نيل القربة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتشخيصهم كي لا يشتبه على الناس كما قال امير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الوصية.
بمعنى ادق:
إنّ جميع أبناء علي بن أبي طالب (عليه السلام) لهم القرابة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ أن تحديد الأقرب الذي نال حق القرابة والتقرب والقرب لله ورسوله (صلى الله عليه وآله) كان ابني فاطمة (عليهم السلام) كما أراد القرآن الكريم في هذا التشخيص.
أي: اتحاد القصدية في القرابة وتشخيصها بين القرآن والنص الشريف، هو ما سنتناوله في المسألة القادمة[13].
الهوامش:
[1] ذكرى الشيعة في احكام الشريعة للشهيد الاول: ج2 ص103.
[2] سورة آل عمران، الآية (31).
[3] سورة آل عمران، الآية (32).
[4] سورة النساء، الآية (59).
[5] سورة الانفال، الآية (20).
[6] سورة النساء، الآية (14).
[7] سورة الاحزاب، الآية (36).
[8] سورة البقرة، الآية (278).
[9] سورة النساء، الآية (100).
[10] سورة التوبة، الآية (1).
[11] سورة التوبة، الآية (59).
[12] سورة البينة، الآية (5).
([13]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فاطمة في نهج البلاغة، للسيد نبيل الحسني: ط: العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة. ص 285-288.