6- القيادة العسكرية
الحلقة الثانية: وصيته عليه السلام إلى قائد جيشه
بقلم: الدكتور علي الفتال رحمه الله تعالى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
من خلال قراءتي ((نهج البلاغة)) بتأملٍ وتأنٍ ورويَّة، وجدت في محتواه خصائص هي بمجموعها تشكل قوانين الحياة بمفاصلها الحيوية، وأنا بتحديدي تلك الخصائص لا يعني ذلك أنني توفرت على خصائص ((النهج)) كلها بل هي بعض ما تراءى لي بعد قراءتي المتأنية تلك. لذلك أطلقتُ عليها ((من خصائص))، والتبعيض هذا الذي دلّت عليه الأداة (مِن) يعني أن ثمة خصائص أخرى يضمها كلام علي عليه السلام فاكتفيت بالذي وجدت.
وإليك قارئي العزيز هذه الخصائص
6- القيادة العسكرية الحلقة الثانية وصيته إلى قائد جيشه:
وقال في عهده عليه السلام للأشتر النخعي واليه على مصر:
((... فولِّ من جندك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك، وأنقـاهم جيباً (أي: أطهرهم صدراً وقلباً)، وأفضلهم حلماً ممن يبطيء عن الغضب، ويستريح إلى العذر ويرأف بالضعفاء وينبو(أي: يشتد) على الأقوياء، وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف.. وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته، وأفضل من جدته (أي: سعيه وغناه) بما يسعهم ويسع من ورائهم من خلوف (أي: بالعجزة ولنساء) أهليهم حتى يكون همهم واحداً في جهاد العدو، فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك..)).
ومن كلام له عليه السلام إلى بعض قادة جيشه قال:
((فإن عادوا (أي: الأعداء) إلى ظل الطاعة فذلك الذي نحب، وإن توافت الأمور بالقوم إلى الشِقاق والعصيان، فانهد بمن أطاعك إلى من عصاك، واستغنِ بمن انقاد معك عمن تقاعس عنك، فإن المتكاره مغيبه خيرٌ من شهوده، وقعوده أغنى من نهوضه)).
ومن كتاب له عليه السلام للأشتر النخعي عندما ولاّه مصر قال:
((ولا تدفعن (ترفضن) صلحاً دعاك إليه عدوك ولله فيه رضا، فإن في الصلح دعة (أي: راحة) لجنودك وراحة من همومك وأمناً لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدوربما قارب ليغفل (من الغفلة) فخذ بالحزم وآتهم في حسن الظن. وإن عقدتَ بينك وبين عدوك عقدة أوألبسته منك ذمة فحِط (أي: احفظ) عهدك بالوفاء، وارعَ ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جُنة (حماية) دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله الناس أشد عليه اجتماعاً مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء.. ولا تغدر من بذمتك، ولا تخيسنَّ (تنتقضنَّ) بعهدك ولا تختلن (أي: تخدعن) عدوك)).
وقال عليه السلام وهويوصي أحد قادته:
((إذا قدرت على عدوك فاجعل العفوعنه شكراً للمقدرة عليه)).
وطرح عليه السلام نظرية حربية غاية في الأهمية والخطورة هي حدود التعامل بين القائد الأعلى وقادة الميدان والجند، فقال:
((لكم عندي أن لا أحتجز دونكم سراً إلا في حرب (أي: لا أكتم عنكم سراً))([1]).
الهوامش:
[1] لمزيد من الاطلاع ينظر: أضواء على نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد في استشهاداته الشعرية، د علي الفتال، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 272 - 273.