بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل خير الخلق أجمعين محد وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
لقد امتثل ولاة معاوية لأوامره، فذكرت المصادر عدداً من الولاة الذين اشتهروا بسب الإمام علي، ودعوة الناس إلى ذلك في عهد معاوية والعهود الأموية اللاحقة، ومن أبرزهم المغيرة بن شعبة في ولايته على الكوفة للسنوات (41–50هـ/661–670م)، إذ كان لا يدع سب الإمام ولعنه، والترحم على عثمان وأوليائه[1] في الوقت الذي كان يأمر بتغييب فضائل الإمام علي وإظهار العيب له، إذ قال لصعصعة بن صوحان العبدي[2]: ((إياك أن يبلغني عنك أنك تعيب عثمان عند أحدٍ من الناس، وإيّاك أن يبلغني عنك أنّك تُظهر شيئاً من فضل علي علانية، فإنك لست بذاكرٍ من فضل علي شيئاً أجهله، بل أنا أعلم بذلك... فإن كنت ذاكراً فضله، فاذكره بينك وبين أصحابك، وفي منازلكم سراً، وأما علانية في المسجد، فإن هذا لا يحتمله الخليفة لنا ولا يعذرنا به...))[3].
وقد انسجم ذلك مع سياسة الدولة في حربها لفضائل الإمام علي، وإيجاد مَنْ يقابله في هذه الفضائل (الخليفة عثمان)[4] وإضعاف موقع شيعة علي ومؤيديه في الكوفة قبال دعم العثمانية[5] من أهلها.
وعمد والي البصرة بسر بن ارطأة[6] إلى سبّ الإمام علي من على منابرها، ووصفه بالمنافق عندما دخلها والياً سنة 41هـ/661م[7].
ومن ولاة معاوية الذين تطرفوا في ممارسة سبّ الإمام علي في ولاياتهم زياد ابن أبيه[8] في ولايته على الكوفة في السنوات (50–53هـ/670–672م)، إذ أحضر سبعين رجلاً من أتباع الإمام علي وخيّرهم بين لعنه والبراءة منه أو يضرب أعناقهم[9]، بل إن بعض الروايات أشارت إلى أنه حشر الناس في مسجد الكوفة والرحبة والقصر لسب الإمام والتبرؤ منه وهدد الممتنع عن ذلك بالقتل إلاّ إن المرض أهلكه قبل أن ينفذ هذا الأمر[10].
أما عبيد الله بن زياد الذي كان والياً لمعاوية على البصرة سنة 56هـ/675م، فقد عمد إلى بناء أربعة مساجد بالبصرة تقوم على بغض علي بن أبي طالب والوقيعة فيه هي: مسجد بني عديّ، ومسجد بني مجاشع، ومسجد كان في العلافين، ومسجد في الأزد[11]. ولا شك أن هذه المنابر الإعلامية كانت تقوم بمهماتها في طمس فضائل الإمام علي بوسائل عديدة–وسنتعرف على بعض أبعادها في الصفحات اللاحقة.
ولم تكن المدينة المنورة أفضل حالاً من العراق فقد كان مروان بن الحكم[12] يسبّ الإمام علياً (عليه السلام) على منبرها كل جمعة[13].
لقد تعززت مواقف الولاة الأمويين في العهود اللاحقة، فقتل عبيد الله بن زياد والي يزيد بن معاوية على الكوفة للمدة (61–64هـ/680–683م) عدداً من الموالين للإمام علي، ولاسيما مَنْ اشتهر منهم بالتحديث في فضائل الإمام علي وفضح السياسة الأموية الجائرة، ومنهم ميثم التمار[14] واتهم الإمام علياً (عليه السلام) في مسجد الكوفة بأنه كذّاب[15].[16].
الهوامش:
[1] المصدر نفسه، 5/169؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/56؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/158.
[2] العبدي، كان مسلماً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يلقه ولم يره، صغر عن ذلك، كان سيداً من سادات عبد القيس، فصيحاً بليغاً، خطيباً عاقلاً ديناً فاضلاً، كان من أصحاب الإمام علي شهد معه الجمل، وقُتل فيها أخواه فأخذ الراية، كان ثقة قليل الحديث توفي بالكوفة أيام حكم معاوية بن أبي سفيان.
ابن سعد، الطبقات، 6/221؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/196–197.
[3] الطبري، تاريخ، 5/128.
[4] كتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق: ((انظروا مَن قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولاته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم... ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي؛ فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاّ كَتب اسمه وقرّبه وشفّعه)). ابن أبي الحديد؛ شرح النهج، 11/37؛ وباختلاف يسير في الألفاظ ابن سليم، كتاب قيس، ص317.
[5] العثمانية: هي تسمية أُطلقت على الأفراد والجماعات التي تميزت بآرائها في تقدير الخليفة عثمان ابن عفان، وفضله ودفاعها عنه من المطاعن التي وجهت إلى أعماله وتأييدها له، واتخاذها مواقف خاصة في الحوادث السياسية التي جرت بعد وفاته. العلي، الكوفة وأهلها، ص493.
وقد ظلت العثمانية أداةً بيد معاوية خصوصاً وأن الطرفين يلتقيان في نظرتهم للخليفة عثمان وفضائله، ووجوب الاقتصاص من قتلته، فأفادَ منها معاوية طوال معارضته للإمام علي، وأمدها بأسباب البقاء بعد ذلك في أيام حكمه. لمزيد ينظر: الحسناوي، العثمانية، ص64–92.
[6] واسمه عمير بن عويمر، ولد قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بسنتين، تحول من المدينة فنزل الشام، صحب معاوية وشهد معه صفين وكان شديداً على الإمام علي (عليه السلام) وأصحابه، وكان رجل سوء لما ارتكبه في الإسلام من الأمور العظام منها ذبحه لعبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن عباس في اليمن، بقي حياً حتى أيام عبد الملك بن مروان.
ابن سعد، الطبقات، 7/409؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 1/374–375.
[7] الثقفي، الغارات، 2/447–448؛ الطبري، تاريخ، 5/114.
[8] ويقال له زياد ابن سمية، وكانت أمه من بغايا الطائف، كان من ولاة الإمام علي (عليه السلام) على فارس، ثم استماله معاوية ووعده بأن يلحقه بنسب أبي سفيان فتمّ ذلك سنة 44هـ/664م، وولاه العراقين فلم يزل عليهما حتى مات سنة 53هـ/672م.
ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/567–574؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 2/336–337؛ ابن حجر، الاصابة، 1/580.
[9] اليعقوبي، تاريخ، 2/210.
[10] المسعودي، مروج الذهب، 3/27؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/168.
[11] الثقفي، الغارات، 2/385؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/74.
[12] ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، ولد على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان قد خرج إلى الطائف طفلاً مع والده الحكم الذي نفاه النبي (صلى الله عليه وآله) إليها فلم يزل بها حتى ولي عثمان فردهما إلى المدينة، شهد الجمل في المعسكر المضاد للإمام علي (عليه السلام)، وصفين مع معاوية، ثم ولي له إمرة المدينة ولم يزل بها حتى أخرجه عبد الله بن الزبير وبقي في الشام إلى أن مات معاوية بن يزيد فبايعه بعض أهل الشام وكانت مدة حكمه تسعة أشهر أو عشر، مات سنة 65هـ/684م.
ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/425–428؛ ابن حجر، الاصابة، 3/477–478
[13] ابن كثير، البداية والنهاية، 8/314؛ السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص216؛ ابن حجر المكي، تطهير الجنان، ص63.
[14] الأسدي، نزل الكوفة، كان عبداً لإمرأة فاشتراه الإمام عليّ منها فأعتقه، صلب على باب عمرو ابن حريث عاشر عشرة في أيام يزيد بن معاوية، صلبه عبيد الله بن زياد قبل مقدم الحسين (عليه السلام) إلى العراق بعشرة أيام، ولما رفع على الخشبة جعل يحدث بفضائل بني هاشم فقيل لابن زياد: فضحكم هذا العبد، فأمر بلجمه، فكان أول من أُلجم في الإسلام. الكشي، رجال، ص64–69؛ الشيخ المفيد، الارشاد، 1/323–325؛ ابن حجر، الإصابة، 3/504–505.
[15] البلاذري، أنساب الأشراف، 3/413.
[16] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 77-80.