بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي.
ليس من السهل على الباحث الوقوف عند العدد الحقيقي للنساء اللاتي أخرجهن الإمام الحسين عليه السلام معه إلى كربلاء، وذلك لما أحاطت به البيوت النبوية من الحشمة والعفة.
لاسيما أن هؤلاء النساء قد انحصر ارتباطهن بعلي أمير المؤمنين عليه السلام من جهة، ومن جهة أخرى ببنات الإمام الحسين عليه السلام وأزواجه ومن ثم يكون الرجوع إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، في كلا الحالين.
وهذا يلزم المرأة الامتثال للخلق النبوي والكمال المحمدي والحياء الفاطمي والعزة العلوية فالمرأة التي تحيا بين أحضان العترة وتنمو بين دفتي الذكر الحكيم لحري بها أن لا يرى الرجال شخصها ولا يسمعوا همسها، أي: التعذر في معرفتهن وتشخيصهن وهو ما واجهه النسابون والمؤرخون حينما أرادوا الوقوف عند معرفة أسماء بنات أمير المؤمنين علي عليه السلام اللاتي أخرجهن معه الإمام الحسين عليه السلام معرفة قطعية، فما أكثر الاختلاف في تشخيص أي منهن كانت أم كلثوم، وهل هو كنية أو اسم، وهل هو لامرأة واحدة أو لأكثر، فضلاً عن اختلافهم فيمن تسمت منهن بزينب، فكان منهن الكبرى والصغرى والوسطى([1]).
ولذا:
كان إخراجهنّ إلى كربلاء من أعظم المصائب على الهاشميين، بل وعلى كل مسلم غيور على حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف به على قلب الإمام الحسين عليه السلام، وهو العالم بنتيجة هذا الخروج وما سيجري عليه وعليهن في كربلاء.
ولذلك:
لم يجد محمد بن الحنفية([2])، بعد طول صراع بين ما يراه من إخراجهن وبين علمه بمنزلة الإمام الحسين عليه السلام من الدين وبين مبادرته بالسؤال عن العلة في هذا الخروج، قائلاً لسبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن وصله الخبر بخروجه من المدينة عند السحر من الليل، (فأتاه، فأخذ بزمام ناقته التي ركبها، فقال له: يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك؟
قال عليه السلام:
«بلى».
قال: فما حداك على الخروج عاجلاً؟ فقال عليه السلام:
«أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما فارقتك، فقال: يا حسين أخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً».
فقال له ابن الحنفية: إنا لله وإنا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذه الحال؟
فقال له:
«قد قال لي إن الله قد شاء أن يراهن سبايا»)([3]).
ولعل حال ابن الحنفية بعد سماعه هذا الجواب كان أعظم من حيرته في معرفة خروجهن إلى العراق.
إلا أن ذلك لم يكن بمانعٍ عن التتبع والبحث عن وجود هؤلاء النسوة والأطفال الذين أخرجهم سبط رسول الله صلى الله عليه وله وسلم إلى العراق وذلك من خلال جملة من الشواهد والقرائن:
ألف: كقوله عليه السلام لأخيه العباس وولده علي عليهما السلام، لما سمعن خطبته فعلا صوتهن بالبكاء، واللفظ للطبري: (فلما سمع (أخواته) كلامه هذا صحن وبكين، وبكى (بناته) فارتفعت أصواتهن، فأرسل إليهن أخاه العباس ابن علي وعليا ابنه، وقال لهما:
[وهذا يدل على أنهن كن مجموعة من بنات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كما يدل على وجود أكثر من بنت من بنات الإمام الحسين عليه لسلام].
«أسكتاهن فلعمري ليكثر بكاؤهن»([4]).
باء: قول العقيلة زينب عليها السلام لما مروا بها على القتلى، صاحت:
(«يا محمداه، هذا حسين بالعراء، مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، وبناتك سبايا...»).
وهذا يدل على الكثرة سواء كن بنات علي عليه السلام أو بنات الحسين عليه السلام، فكلهنّ بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو المفجوع الأول وصاحب العزاء الأكبر، والمخصوص بهذه المصيبة العظيمة.
الهوامش:
([1]) أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين: ج3، ص484.
([2]): أبو القاسم، أو أبو عبد الله بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية هو من الطبقة الأولى من التابعين ولد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتوفي سنة 81هـ في أيام عبد الملك بن مروان وعمره خمس وستون سنة واختلفوا في أي مكان توفي على ثلاثة أقوال: أحدهما بأيلة، والثاني بالمدينة، وصلى عليه أبان بن عثمان بإذن ابنه أبي هاشم ودفن بالبقيع، والثالث بالطائف.
غلبت عليه النسبة إلى أمه خولة الحنفية من بني حنيفة وهي خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
اخباره: كان محمد من فضلاء التابعين.
وكانت راية أمير المؤمنين علي عليه السلام يوم الجمل مع ابنه محمد؛ قيل لمحمد: لم يغرر بك أبوك في الحرب ولا يغرر بالحسن والحسين؟ فقال: إنهما عيناه وأنا يمينه فهو يدفع عن عينيه بيمينه. وقالت الأنصار: يا أمير المؤمنين لولا ما جعل الله تعالى للحسن والحسين ع لما قدمنا على محمد أحدا من العرب، فقال علي عليه السلام: (ابن النجم من الشمس والقمر أما أنه قد أغنى وله فضله ولا ينقصه فضل صاحبيه عليه وحسب صاحبكم ما انتهت به نعمة الله تعالى إليه).
فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا والله لا نجعله كالحسن والحسين ولا نظلمهما له ولا نظلمه لفضلهما عليه، فقال علي عليه السلام: Sأين يقع ابني من ابني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمR.
فقال خزيمة بن ثابت فيه:
محمد ما في عودك اليوم وصمة
ولا كنت في الحرب الضروس معردا
أبوك الذي لم يركب الخيل مثله
علي وسماك النبي محمدا
فلو كان حقا من أبيك خليفة
لكان ولكن ذاك ما لا يرى بدا
وأنت بحمد الله أطول غالب
لسانا وأنداها بما ملكت يدا
وأقربها من كل خير تريده
قريش وأوفاها بما قال موعدا
وأطعنهم صدر الكمي برمحه
وأكساهم للهام عضبا مهندا
سوى أخويك السيدين كلاهما
امام الورى والداعيان إلى الهدى
أبى الله أن يعطى عدوك مقعداً
من الأرض أو في اللوح مرقى ومصعدا
أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين: ج9، ص435.
([3]) اللهوف في قتلى الطفوف للسيد ابن طاووس: ص41؛ المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص83؛ البحار: ج44، ص364.
([4]) تاريخ الطبري: ج4، ص322؛ مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي: ص117.