بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..
وبعد:
استعمل الإمام علي عليه السلام المثل العربي في مواطن كثيرة وقفت عليها في كتاب نهج البلاغة وهي على النحو الآتي:
قوله عليه السلام: (وَالله مَا أطْور بهِ ما سَمر سَمِير) [1]
في المثل: ما سمر سمير.... وعند أبي هلال العسكري[2]:
ابنا سمير وابنا جمير: الليل والنهار: سميا ابني سمير، لأنه يسمر فيهما، وابني جمير: للاجتماع فيهما، وقيل السمير: الدهر وقال بعضهم: ابنا سمير، الغداة والعشي، والسمر الظلمة لأنهم كانوا يسمرون فيها.
قال تعالى ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾[3]، أي تهجرون النبي (صلى الله عليه وآله) في سمركم.
وجاء في التفاسير عن قوله تعالى ﴿سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ أربع مسائل نذكر منها بعض الأوجه: الأول: قوله تعالى ﴿سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ سامر نصب على حال ومعناه سمارا وهم الجماعة يتحدثون بالليل، مأخوذ من السمر وهو ظل القمر.
والسامر أيضاً السمار وهم القوم الذين يسحرون وسامر طل فيه اللهو السمر[4].
والقول الثاني: روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إنما كره السمر حين نزلت هذه الآية ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ يعني أن الله ذم أقواماً يسمرون في غير طاعة الله تعالى[5]..
وجاء قول الإمام (عليه السلام) من كلامه لما عوتب على التسوية في العطاء: فأجاب: أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه، والله ما أطور به ما سمر سمير).
وقد ذكر ابن قتيبة[6] في سيرة علي (عليه السلام) المالية قال: ثم قام رجال من أصحاب علي (عليه السلام) فقالوا: يا أمير المؤمنين إعط هؤلاء هذه الأموال وفضل هؤلاء الأشراف من العرب، وقريش على الموالي، ممن يتخوف خلافه على الناس وفراقه.
وأما عامة الناس فهمهم الدنيا ولها يسعون وفيها يكدحون فأعط هؤلاء الأشراف، فإذا استقام لك ما تريد عدلت إلى أحسن ما كنت عليه من القسم.
فقال علي (عليه السلام) أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من الإسلام؟ والله لا أفعل ما لاح في السماء نجم.
فهو (عليه السلام) استخدم المثل المذكور ليؤكد بقوله أنه ما دام هناك ليل ونهار لا يفعل إلا بما أمر الله، وسياسة الإمام علي (عليه السلام) المالية معروفة أفاضت بها كتب التاريخ فقد كان يقسم العطاء بالتساوي ثم يكنس بيت المال ويصلي فيه وكان علي (عليه السلام) يعطيهم من الجمعة إلى الجمعة وكان يقول[7]:
هذا جنايَ وخيارُهُ فيه إذ كل جانٍ يدُهُ إلى فيهِ
وعلّق عليه السيوطي في الدرّ المنثور وقال[8]: قال علي (عليه السلام): هذا جناي.....، أراد أني لم استأثر بشيء من فيء المسلمين وأصل هذا المثل أن جذيمة أرسل عمرو ابن أخته مع جماعة يجنون له الكمأة فكانوا إذا وجدوا جيدة أكلوها ولم يفعل ذلك عمرو فجاء خاله فقال ذلك.
وذكر البلاذري[9] في سيرة الإمام المالية قال: أتى المال إلى علي (عليه السلام) مكوم كومة من ذهب وكومة من فضة وقال يا حمراء وبيضاء احمري وابيضي وغري غيري وتمثل بالمثل هذا جناي....[10].
الهوامش:
[1]- ابن أبي الحديد: شرح النهج، كلام (124).
[2]- جمهرة الأمثال: 1/39.
[3]- المؤمنون: آية 67.
[4]- القرطبي: محمد بن أحمد (ت 671هـ) الجامع لأحكام القرآن، دار احياء التراث العربي، بيروت 1985م، 12/132
[5]- ابن كثير: تفسير ابن كثير،3/359..
[6]- ابن قتيبة: الإمامة والسياسة 1/132.
[7]- البيت الشعري ينسب إلى عمرو ابن أخت جذيمة الأبرش كان يجني الكمأة مع أصحاب له فكانوا إذا وجدوا خيار الكمأة أكلوها، وإذا وجدها عمرو جعلها في كمه حتى يأتي بها خاله وقال هذه الكلمة وأصبحت مثلاً، ينظر: الضبي: امثال العرب ص149، أبو هلال العسكري: جمهرة الأمثال 2/360
[8]- الدر المنثور: 1/210
[9]- البلاذري: أنساب الأشراف ص135.
[10]لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 112 –114.