من ضوابط فهم النص القرآني في نهج البلاغة

مقالات وبحوث

من ضوابط فهم النص القرآني في نهج البلاغة

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 24-10-2021

من الشواهد التفسيرية في نهج البلاغة، قوله (عليه السلام): «لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها».

بقلم: م.م الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة.

الحمد لله رب العلامين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد:
ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ﴾([1])، أنها من الآيات التي تطبق على الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في آخر الزمان، ففي تفسير الأمثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: أنَّ هذه الآية هي من جملة الآيات التي تبشّر بجلاء بظهور حكومة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)([2]).

وقد استدل على ذلك بما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام بقوله ـ أي صاحب الأمثل ـ: "ونقرأ عن أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير هذه الآية أنّها إشارة إلى هذا الظهور العظيم، فقد ورد في نهج البلاغة عن علي (عليه السلام) قوله: (لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها)([3])، وتلا عقيب ذلك: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ﴾"([4]).
وفقد فسر عليه السلام الآية المتقدمة في حديث آخر له: بأنها نازلة بأهل البيت عليه السلام قال: "هم آل محمّد (صلى الله عليه وآله) يبعث الله مهدّيهم بعد جهدهم فيعزّهم ويذل عدوّهم"([5])
فقد بين الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مصاديق هذه الآية وهم آل محمد عليهم السلام وأجلى تلك المصاديق هو قائمهم المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف ).

ومثل هكذا تفسير يجعل المفسر يتوخى الدقة في تحديد المصاديق الخارجية للآيات القرآن الكريم، إذ يمكن القول أنَّ تحديد مصداق الآية أعسر مهام المفسر؛ لأنَّ اختلاف المفسرين إنما كان بسبب تشخيص المصاديق وهذا ما صرح به السيد الطباطبائي في مقدمة تفسيره الميزان، قال: "وكيف كان فهذا الاختلاف لم يولده اختلاف النظر في مفهوم اللفظ المفرد أو الجملة بحسب اللغة والعرف العربي الكلمات أو الآيات، فإنما هو كلام عربي مبين لا يتوقف في فهمه عربي ولا غيره ممن هو عارف باللغة وأساليب الكلام العربي، وليس بين آيات القرآن وهي بضع آلاف آية، آية واحدة ذات إغلاق وتعقيد في مفهومها بحيث يتحير الذهن في فهم معناها، وكيف وهو أفصح الكلام، ومن شرط الفصاحة خلو الكلام عن الإغلاق والتعقيد، حتى أنَّ الآيات المعدودة من متشابه القرآن كالآيات المنسوخة وغيرها، في غاية الوضوح من جهة المفهوم، وإنّما التشابه في المراد منها وهو ظاهر، وإنما الاختلاف كل الاختلاف في المصداق الذي ينطبق عليه المفاهيم اللفظية من مفردها ومركبها، وفي المدلول التصوري والتصديقي".([6])
لذا يمكن القول إنَّ الصفات أبلغ من الأسماء؛ لأنَّ الصفات هي عبارة عن كلمات تصف شخص، أو شيء معين أو ضمير معين عن طريق الكلمات الوصفية أو النعتية، فهي عبارة عن محددات يتم من خلالها تحديد الموصوف وتشخيص المصاديق أكثر من الأسماء.

لأنَّ الاسم قد يشترك مع أسم آخر فيحصل الإجمال، أما في الأوصاف المختصة فيحصل الانصراف والانطباق على الشخص أو الشيء أو الضمير الجامع لتلك الأوصاف، لاسيما إذا كانت تلك الأوصاف لا تنطبق إلاّ على الشخصيات الاستثنائية، من أمثال أهل بيت الرحمة عليهم السلام.
ومن الأمثلة الأخرى ما روي عنه عليه السلام عند تلاوته: ﴿رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾([7]).
قال: "وإنَّ للذكر لأهلاً أخذوه من الدنيا بدلاً فلم يشغلهم تجارة ولا بيع عنه يقطعون به أيام الحياة، ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين، ويأمرون بالقسط ويأتمرون به وينهون عن المنكر وينتهون عنه كأنما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها فشاهدوا ما وراء ذلك فكأنما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه، وحققت القيامة عليهم عذابها فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا حتى كأنهم يرون ما لا يرى الناس ويسمعون ما لا يسمعون([8]).
فقد أوضح عليه السلام أن مصاديق هذه الآية هم رجال أذا حضر وقت الصلاة تركوا التجارة وانطلقوا إلى الصلاة وهم أعظم أجرا ممن لم يتجر.، أي لم يتجر واشتغل بذكر الله كما في روايات أخر.([9])

 الهوامش:
[1] القصص، 5.
)2) ظ: الأمثل، 175.
[3] نهج البلاغة، 4/ 47.
[4] الأمثل، 12/ 175، 176
[5] الغيبة، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق (ت 460هـ): عبد الله الطهراني، علي أحمد ناصح، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة، ط/1، 1411هـ، 184.
([6]) الميزان، 1/9.
[7] النور، 37.
[8] نهج البلاغة، 211، 212.
[9] ظ: الميزان، 15/ 143.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2877 Seconds