بقلم: السيد نبيل الحسني
قد مرَّ عليك أيها القارئ الكريم من خلال الأحاديث السابقة أن الله عزّ وجلّ قد خلق محمداً (صلى الله عليه وآله) وعترته الطاهرين من نوره عزّ وجلّ إلا أن الشيء الجديد هنا هو: كلمة: (من سنخ نور من نوري) والتي وردت في الحديث النبوي، عنه (صلى الله عليه وآله)، عن الله عزّ وجلّ، أنه قال عزَّ شأنه:
«يا محمد إني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من سنخ نور من نوري»[1].
وفي رواية (من شبح نور من نوري)([2])؛ إلاّ أن الأولى في بيان حقيقة شرافة النبي (صلى الله عليه وآله) على جميع ما خلق الله تعالى، هو (من سنخ نور من نوري).
لأن الشبح هو: كل ما بدا شخصه من الناس وغيرهم من الخلق، وما يرى من بعيد أو خلف ساتر أو ثوب رقيق من غير تمييز للونه([3])، أو هو: (ظل النور) كما جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) وهو يحدث جابراً، فقال له:
«يا جابر إن الله أول ما خلق، خلق محمداً وعترته الهداة فكانوا أشباح نور بين يدي الله، قلت وما الأشباح؟ قال: ظل النور أبدان نورانية بلا أرواح»([4]).
وعليه: فإن خلقهم من شبح نور من نوره، يكون بمعنى خلقهم (عليهم السلام) من ظل النور لا من أصل النور، وهذا منافٍ لما ورد في الأخبار، كما أنه يتعارض مع ما أعطاهم الله من فضله، وخصهم برحمته بأنهم حقائق نورانية مخلوقة من نور الله عزّ وجلّ، وليسوا من صورة النور أو ظله.
ولأن ذلك يقتضي ارتفاع منزلة الملائكة على النبي وأهل بيته (صلى الله عليه وآله) لأن الملائكة خلقوا من النور.
علماً أن محمداً (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) هم أشرف ما خلق الله عزّ وجل، بل وكل خير هو مخلوق من أنوارهم (عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام).
ولذا: فإن الأصح بين اللفظين، هو: «من سنخ نور من نوري» أي من أصل نور من نوري، وهذا يتفق مع الأحاديث السابقة لأن سنخ كل شيء أصله، وسنخ الكلمة: أصل بنائها، والسنخ والأصل واحد فلما اختلف اللفظان أضاف أحدهما إلى الآخر([5]).
فسبحان من شرّفهم على خلقه واذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا[6]
الهوامش:
([1]) بحار الانوار، المجلسي: ج27 ص200، الدرر النجفية، المحقق الشيخ يوسف البحراني: ج3 ص347 [1]
([2]) إيضاح دفائن النواصب: ص11 و12؛ البحار للمجلسي: ج36، ص 262؛ الغيبة للطوسي: ص148، برقم 109؛ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف لابن طاووس: ص 173؛ كتاب الأربعين لمحمد ظاهر القمي الشيرازي: ص354.
([3]) لسان العرب، مادة شبح، المصطلحات، إعداد مركز المعجم الفقهي: ص1449؛ معجم ألفاظ الفقه الجعفري لأحمد فتح الله: ص240.
([4]) أصول الكافي: ج1، ص442؛ البحار: ج15 ص25، وج7، ص150؛ الكافي للكليني: ج 1، ص442؛ حلية الأبرار للسيد هاشم البحراني: ج1، ص19، برقم (4).
([5]) لسان العرب: ج6 ص386، مادة السنخ، وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أصل الجهاد وسنخه الرّباط في سبيل الله) يعني المرابطة عليه، ومنه قول الإمام علي عليه السلام: (ولا يظمأ على التقوى سنخ أصل..)، وج3، ص 26؛ كتاب العين للفراهيدي: ج 4، ص201.
[6] لمزيد من الاطلاع ينظر: موسوعة هذه فاطمة (عليها السلام)، السيد نبيل الحسني، ج1ص112-113، ط1 الاعلمي بيروت