من خصائص نهج البلاغة: 19- المنهج المالي

مقالات وبحوث

من خصائص نهج البلاغة: 19- المنهج المالي

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 19-02-2022

بقلم: الدكتور علي الفتال

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
من خلال قراءتي ((نهج البلاغة)) بتأملٍ وتأنٍ ورويَّة، وجدت في محتواه خصائص هي بمجموعها تشكل قوانين الحياة بمفاصلها الحيوية، وأنا بتحديدي تلك الخصائص لا يعني ذلك أنني توفرت على خصائص ((النهج)) كلها بل هي بعض ما تراءى لي بعد قراءتي المتأنية تلك. لذلك أطلقتُ عليها ((من خصائص))، والتبعيض هذا الذي دلّت عليه الأداة (مِن) يعني أن ثمة خصائص أخرى يضمها كلام علي عليه السلام فاكتفيت بالذي وجدت.
وإليك قارئي العزيز هذه الخصائص:

المنهج المالي
كان عليه السلام حريصاً على أموال المسلمين؛ فقد نهج نهجاً عادلاً في توزيع ثروة البلاد الإسلامية على مستحقيها في تكافؤ فرصي قل مثيله.
وكُتُب عماله في هذا الجانب كثيرة في (نهج البلاغة) نختار منها وصيته التي يكتبها لمن يستعمله على الصدقات، قال عليه السلام:
((انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له، ولا تروِّعنَّ (تخوِّفنّ) ولا تجتازنّ (تمر) عليه كارهاً، ولا تأخذنّ منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امضِ إليهم بالسكينة والوقار، حتى تقوم بينهم وتسلم عليهم، ولا تخدج (تبخل) بالتحية لهم، ثم تقول: عباد الله، ارسلني إليكم ولي الله وخليفته، لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه؟ فإن قال قائل: لا، فلا تراجعه وإن أنعم (أي: قال نعم) لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أوتوعده، أوتعسفه أوترهقه، فخذ ما اعطاك من ذهب وفضة، فإن كان له ماشية، أوإبل، فلا تدخلها إلا بإذنه، فإن أكثرها له، فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلط عليه ولا عنيف به، ولا تنفّرنَّ بهيمة ولا تُفزِّعنّها، ولا تسوءنَّ صاحبها فيها، واصدع (قسّم) المال صدعين ثم خيّره فإذا اختار فلا تعرضنّ لما اختاره، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله؛ فاقبض حق الله منه، فإن استقالك فأقله (اعفه)، ثم اخلطها ثم اصنع مثل الذي صنعت أولاً حتى تأخذ حق الله في ماله. ولا تأخذن عوداً (المسنّة من الإبل) ولا هرمة ولا مكسورة ولا مهلوسة (ضعيفة) ولا ذات عوار (عيب) ولا تأمنن عليها إلا من تثق بدينه، رافقاً بمال المسلمين، حتى يُوَصّل إلى وليّهم فيقسّم بينهم، ولا توكل بها الآّ ناصحاً شفيقاً وأميناً حفيظاً، غير معنف ولا مجحف، ولا ملغب (معيي)، ولا متعب، ثم أجدر (أسرع) إلينا ما اجتمع عندك نصيِّره حيث أمر الله به، فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها (رضيعها) ولا يَحْصُر  (يحلب) لبنها فيضر ذلك بولدها، ولا يجهدنَّها ركوباً، وليعد بين صواحباتها في ذلك وبينها، وليرفِّه على اللاّغب (المتعب) وليستأنِ (يرفق) بالنقِب (المخروق الخف)، والضالع، وليوردها ما تمر به من الغُدُر (جمع غدير)، ولا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جوادِّ الطرق (الخالية من المراعي)، وليروِّحها في الساعات، وليمهلها عند النطاف (المياه القليلة) والأعشاب حتى تأتينا - بأذن الله - بُدَّناً (سماناً) مُنقيات (أي ذات مخ) وغير متعبات ولا مجهودات، لنقسمها على كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلَّم فإن ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك - إن شاء الله))[1].

الهوامش:
[1] لمزيد من الاطلاع ينظر: أضواء على نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد في استشهاداته الشعرية، د. علي الفتال، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ج1، ص 334 - 336.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2784 Seconds