من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام قوله: مَلَكَ فَقَهَرَ

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام قوله: مَلَكَ فَقَهَرَ

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 03-04-2022

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل – الجامعة المستنصرية

((الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:
قَهَرَ
تدلُّ مادَّة «قَهَرَ» في اللُّغة على الغلبة، والعلوِّ. قال ابن فارس: «القاف والهاء والرَّاء كلمةٌ صحيحةٌ تدلُّ على غَلَبة وعُلُوٍّ. يُقال: قَهَرَه يَقهره قَهْراً. والقاهر: الغالب. وأقْهَرَ الرَّجُل، إذا صُيِّر في حالٍ يذلُّ فيها. قال المخبّل السَّعديّ:
تَمَنَّى حُصَيْنٌ أَنْ يَسُودَ جِذَاعُهُ    فَأَمْسَى حُصَيْنٌ قد أَذَلَّ وأَقْهَرا»[1].
وقال الرَّاغب: إنَّ «القَهْرُ: الغلبة والتَّذليل معاً، ويُستَعملُ في كلِّ واحد منهما. قال تعالى: (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [الأنعام/ 18]...»[2].
وذكر الطَّبريُّ أَنَّ معنى القهر من لدن البارئ ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ هو «المذلُّ المستعبد خلقه، العالي عليهم. وإنـَّما قال: (فوق عباده)؛ لأَنــَّه وصف نفسه ــ تعالى ذكره ــ بقهره إيَّاهم. ومن صفة كلِّ قاهر شيئاً أَنْ يكون مستعلياً عليه، فمعنى الكلام إذاً: والله الغالب عبادَه، المذلُّ لهم، العالي عليهم بتذليله لهم، وخلقه إيَّاهم، فهو فوقهم بقهره إيَّاهم، وهم دونه»[3].
وقال ابن منظور: «والقهَّار: من صفات الله عَزَّ وَجَلَّ. قال الأَزهريُّ: والله القاهر القهَّار، قهر خلقه بسلطانه وقدرته، وصرَّفهم على ما أَراد طوعاً وكرهاً، والقهَّار للمبالغة... وقَهَرَه يقهرُهُ قَهْراً: غَلَبَهُ. وتقول: أَخذتـُهم قهراً، أَيْ: من غير رضاهم»[4].
والله ــ تبارك وتعالى ــ القاهر؛ الذي بادت عند سطوته قوى الخلائق أَجمعين «والَّذي يقصم ظهور الجبابرة، فيقهرهم بالإذلال والإهانة والنَّكبات، والهلاك من القهر، وهو الغلبة وصَرْفُ الشَّيء بما طبع عليه بالقسر»[5].
وفرَّق أَبو هلال العسكريّ بين (القهر) و(القدرة) بقوله: «إنَّ القدرة تكون على صغير المقدور وكبيره، والقهر يدلُّ على كبير المقدور؛ ولهذا يُقال: مَلِكٌ قاهرٌ؛ إذا أُريد المبالغة في مدحه بالقدرة، ولا يقال في هذا المعنى: مَلِكٌ قادرٌ؛ لأَنَّ إطلاق قولنا: قادر لا يدلُّ على عظيم المقدور كما يدلُّ عليه إطلاق قولنا: قاهر»[6].
وفرَّق بين (القهر) و(الغلبة) بقوله: «إنَّ الْغَلَبَة تكون بِفضل الْقُدْرَة وبفضل الْعلم، يُقال: قَاتله، فغلَبَهُ، وصَارَعَهُ، فغلَبَه؛ وَذَلِكَ لفضل قدرته، وَتقول حَاجَّهُ، فغلَبَهُ، ولَاعَبَهُ بالشَّطرنج، فَغَلَبَهُ، بِفضل علمه وفطنته، وَلا يكون الْقَهْر إِلاَّ بِفضل الْقُدْرَة؛ أَلا ترى أَنــَّك تَقول ناواه، فقهره، وَلا تَقول: حَاجَّه، فقهره، وَلا تَقول: قهره بِفضل علمه»[7] )[8].

الهوامش:
[1]. معجم مقاييس اللغة 2/836.
[2]. مفردات ألفاظ القرآن: 687.
[3]. جامع البيان في تأويل آي القرآن: 5/161.
[4]. لسان العرب 5/120.
[5]. أسماء الله الحسنى: 43.
[6]. الفروق اللغوية: 381.
[7]. المصدر نفسه: 389.
[8] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 77 – 78.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3467 Seconds