بقلم م. م. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
من المسائل الحيوية ذات الأهمية البالغة في حياة الرسالة الإسلامية: مسألة حفظ القرآن من التحريف، لذا فقد تصدى لهذه المسالة كبار علماء الشيعة بعد أنْ اتُّهموا بالقول بتحريف القرآن.
قال الشيخ الصدوق: "اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومَن نَسب إلينا أنّا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب"([1]).
وقال الشيخ الطوسي:"وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فما لا يليق به أيضاً؛ لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها، والنقصان منه، فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى وهو الظاهر في الروايات.. ورواياتنا متناصرة بالحثّ على قراءته والتمسّك بما فيه، وردّ ما يَرِد من اختلاف الأخبار في الفروع"([2]).
وردﱠ الفيض الكاشاني على هذه التهمة بعد أنْ استدلَّ على بطلانها بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾([3])، وقوله جل من قائل: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾([4]) إذْ قال: "فكيف يتطرّق إليه التحريف والتغيير"([5]).
وقال أيضاً: "فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرّفاً، فما فائدة العرض عليه مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذّب له فيجب ردّه والحكم بفساده"([6]).
فكانت هذه الآية على رأس أدلة حفظ القرآن من التحريف، فقد استدل الشيخ مكارم الشيرازي بهذه الآية على صيانة القرآن الكريم من التحريف، ثم أتبع استدلاله هذا بما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في أكثر من خطبة إذْ قال: "وخطب الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة خير شاهد ينطق بهذا الإدعاء، فنقرأ في خطبته: (وكتاب اللّه بين أظهركم، ناطق لا يعيا لسانه، وبيتٌ لا تهدم أركانه، وعزٌ لا تهزم أعوانه)([7])، ويقول في موضع آخر:( واعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل...)([8])، ونطالع قوله عليه السلام في الخطبة المذكورة نفسها:(وما جالس هذا القرآن أحدٌ إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان من عمى)([9])، ونتابع الخطبة نفسها حتى نصل لقوله عليه السلام: (وإِنّ اللّه سبحانه لم يعظْ أحداً بمثل هذا القرآن، فإِنَّه حبل اللّه المتين، وسببه الأمين)([10])، ونقرأ في الخطبة: (ثمّ أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه، وسراجاً لا يخبو توقده... ومنهاجاً لا يضل نهجه... وفرقاناً لا ﹸيخمد برهانه)([11])، وأمثال ذلك كثير في كلام الإمام علي والأئمة عليهم السلام"([12]).
وهكذا نرى أن المفسر لم يكتفي بقول واحد، أو خطبة واحدة من خطب الإمام علي عليه السلام بل عرض لكل ما له علاقة بالآية من كلام الإمام علي عليه السلام بغية الوصول إلى أقرب المعاني.
وغير ذلك من الشواهد المبثوثة في تفاسير الإمامية التي تبلغ العشرات، بل أكثر إذْ ليس بوسع البحث عرضها جميعها؛ لأنَّ ذلك يستلزم وقتاً كبيراً وتطويلاً لا مسوغ له، فغاية ما أراد البحث إثباته هو أنّ لنهج البلاغة أثراً في تفاسير الإمامية على هذا المستوى، إذْ مثل هذا الأثر حالة شاخصة لا يمكن الاستغناء عنها، فقلما تجد مفسراً لا يعتمد على نهج البلاغة في التفسير أو الاستشهاد، أو دفع لإشكال من الإشكالات وما إلى ذلك)[13].
الهوامش:
([1]) الاعتقادات في دين الإمامية، الشيخ الصدوق، (ت381هـ)، تحقيق: عصام عبد السيد، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ـ لبنان، 1414هـ، 1993 م، ط/2، 84، ظ : أضواء على عقائد الشيعة الإمامية، الشيخ جعفر السبحاني، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام ـ قم، 1421هـ، 354.
(2) أوائل المقالات، الشيخ المفيد، (ت 413هـ)، تحقيق : الشيخ إبراهيم الأنصاري، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت، ط/ 2، 1414هـ - 1993 م، 187.
([3]) فصلت، 41، 42.
([4]) الحجر، 9.
([5]) تفسير الاصفى، الفيض الكاشاني، 1/ 51.
([6]) تفسير الاصفى، 1/ 51.
([7]) نهج البلاغة، 2 / 17.
([8]) نهج البلاغة، 2/ 91.
([9]) نهج البلاغة، 2/ 91.
([10]) نهج البلاغة، 2/ 91.
[11])) نهج البلاغة، 2/ 177.
([12]) الأمثل، 8/ 26.
([13] )لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 155-158.