من آثار منع النبي (صلى الله عليه وآله) أبي بكر تبليغ سورة براءة وحمل الإمام علي (عليه السلام) لها وتبليغه الناس بها.

مقالات وبحوث

من آثار منع النبي (صلى الله عليه وآله) أبي بكر تبليغ سورة براءة وحمل الإمام علي (عليه السلام) لها وتبليغه الناس بها.

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 07-07-2022

بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي.

إنّ المتتبع لحياة رسول الله (صلى الله عليه واله) يجد أمورا ثلاثة لا تفارق فضائل الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) في كتب القوم اللذين لا يدينون الله بحبه (عليه السلام) ألا وهي: التدليس، والتحريف، والتضليل، جاهدين في ذلك ما استطاعوا، لا سيما تلك التي فيها أصول مبنى الخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنها حديث سورة براءة الذي أجزع أبي بكر وأوجعه[1].

ومن ثم كان له اثاره واستحقاقه من نفس أبي بكر في تعامله مع أمير المؤمنين الإمام علي وبضعة النبوة فاطمة (عليهما السلام) والذي تحول بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى صراع دموي وحربي في هجوم أنصاره على بيت النبوة، وحسب القارئ من بيان هذه الحقيقة ما أخرجه ابن أبي شيبة الكوفي في مصنفه –شيخ البخاري ومسلم-، وابن أبي الحديد المعتزلي بصورة كاملة، في حين حذف منه التهديد بحرق البيت بمن فيه كلٌّ من: ابن عبد البر، والصفدي، والنويري، فبدلوا قول عمر بن الخطاب لفاطمة (صلوات الله وسلامه عليها):
(وأيم الله ما ذاك بمانعي أن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت)[2].
إلى قوله: (ولإن بلغني أن هؤلاء النفر يدخلون عليك، لأفعلن وأفعلن)[3]!!

وعليه:
فقد جهد مخالفوا الإمام علي (عليه السلام) في اتّباع أسلافهم في التلاعب في صياغة الحدث ومجرياته سواء بمنطوق الرواية التاريخية أو التفسيرية أو الحديثية أو العقدية.
ومهما يكن من أمرٍ مضلل وماكرٍ إلّا أن الحقيقة الثابتة إن لا أحد يستطيع - قديما وحاضراً ومستقبلاً - إن يخفي حقيقة إرسال النبي (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) خلف أبي بكر ليأخذ منه سورة براءة ويبلغ بها الناس في مكة، وفي هذا الأمر كفاية لبيان هذه الفضيلة وأثرها في نفوس السلف ابتداءاً من صاحب القضية أي: أبي بكر ومن تولاه وسار على طريقته ونهجه في مخاصمة بيت النبوة، لا سيما ابن عثيمين.

أما كيفية وقوع الحدث فهو على النحو الآتي، والذي نقدم فيه روايات علماء مذهب القرآن والعترة النبوية:

1ـ إنّ خير ما نبتدأ به بيان الحدث هو ما أخرجه الشيخ الصدوق (عليه الرحمة والرضوان) بسنده الى جميع بن عمير، قال:
(صليت في المسجد الجامع، فرأيت ابن عمر جالساً فجلست إليه، فقلت: حدثني عن علي (عليه السلام)، فقال:
بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر ببراءة، فلما أتى ذا الحليفة اتبعه علياً (عليه السلام) فأخذها منه؛ قال أبوبكر:
يا علي ما لي أنزل فيَّ شيء؟ قال:
«لا، ولكن رسو ل الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل من أهل بيتي».
قال كثير: قلت لجميع، أتشهد على ابن عمر بهذا؟ قال: نعم، ثلاثاً)[4].

2ـ أما ما أخرجه محمد بن اسماعيل البخاري في صحيحه عن أبي هريرة والذي أورد الحادثة بالاختصار والابهام والتضليل للقارئ، فقد أوضحها ابن حجر العسقلاني مصرحاً بثبوت أخذ الإمام علي (عليه السلام) سورة براءة من أبي بكر بعد أن خرج بها الى مكة.
فقد أخرج البخاري في باب: قوله (فسيحوا في الارض أربعه أشهر...) عن حميد بن عبد الرحمن:
(أن أبا هريرة، قال:
بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى، أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان؛ قال حميد بن عبد الرحمن، ثم أردف رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعلي بن أبي طالب، وأمره ان يؤذن ببراءة.
قال أبو هريرة: فإذن معنا علي - (عليه السلام) - يوم النحر في أهل منى ببراءة، وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان)[5].
وقد أوضح ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) اللبس في الحديث، وبينّ ما أخفاه أبو هريرة أو البخاري، فقد قال في شرحه للحديث:
(قوله قال حميد) هو ابن عبد الرحمن بن عوف (ثم أردف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعلي وأمره أن يؤذن ببراءة) هذا القدر من الحديث مرسل، لان حميد لم يدرك ذلك، ولا صرّح بسماعه له من أبي هريرة لكن ثبت أرسال علي (عليه السلام) من عدة طرق)[6].
وثبوت ارسال علي (عليه السلام) خلف أبي بكر لأخذ سورة براءة منه وبعدة طرق هو الأساس في بيان هذه الحقيقة التي نقلها غير واحد من علماء المسلمين فكان منهم:

3ـ الحافظ ابن مردوية (ت419هـ) عن الإمام علي (عليه السلام)، قال:
(لما نزلت عشر آيات من براة على النبي (صلى الله عليه وآله) دعا أبا بكر ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال لي: «أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه».
ورجع أبو بكر، فقال: يا رسول الله، نزل فيَّ شيء؟!! قال:
«لا، ولكن جبرائيل جاءني، فقال: لن يؤدي عنك إلاّ أنت أو رجل منك»[7].

4 ـ أخرج الجوهري (المتوفي سنة 323هـ)، وابن عساكر (المتوفي سنة 571هـ) وغيرهم، عن ابن عباس، قال: (أني لأماشي عمر في سكة من سكك المدينة، يده في يدي، فقال:
يا ابن عباس، ما أظن صاحبك إلا مظلوماً، فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها، فقلت: يا أمير المؤمنين، فأردو عليه ظلامته، فانتزع يده من يدي، ثم مرَّ يهمهم ساعة، ثم وقف فلحقته، فقال لي:
يا ابن عباس: ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا أنهم أستصغروه، فقلت في نفسي: هذه شر من الاولى، فقلت: والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر)[8].

وفي لفظ أخرجه الزبير بن بكار ونقله عنه ابن أبي الحديد حينما قال عمر بن الخطاب: إلا انهم استصغروه، فرد عليه ابن عباس فقال:
(والله ما استصغره الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك فاعرض عني وأسرع)[9].

وعليه:
كيف لا يكون لذلك الحدث أثر في تعاظم الخصومة في نفس أبي بكر للإمام علي (عليه الصلاة والسلام) وهو القائل لرسول الله (صلى الله عليه وآله):
(أهلتني لإمر طالت الاعناق فيه، فلما توجهت له رددتني عنه)!!

وقال أيضاً:
(نزل فيَّ شيء)؟!

وغير ذلك من الاقوال الكاشفة عن حجم تأثر أبي بكر بما جرى وانعكاسه سلباً على علاقته ببيت النبوة الذي ظهر جلياً وعظيماً بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)[10] .

الهوامش:
[1] مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج1 ص 319، وجاء فيه: (ولما رجع أبو بكر الى النبي جزع، وقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إنك أهلتني لأمر طالت الأعناق فيه فلما توجهت له رددتني عنه).
[2] المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج8، ص 57، ح4؛ المذكر والتذكير لابن أبي عاسم: ص 91؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج2، ص 45.
[3] الاستيعاب لابن عبد البر: ج3، ص 975؛ الوافي بالوفيات للصفدي: ج17، ص 167؛ نهاية الأرب للنويري: ج19، ص41.
[4] علل الشرائع: ج1 ص 189.
[5] صحيح البخاري: ج6 ص 202ط دار الفكر لسنة 1981م.
[6] فتح الباري في شرح صحيح البخاري: ج8 ص 239.
[7] مناقب علي ابن أبي طالب (عليه السلام) 252.
[8] السقيفة وفدك للجوهري: 72؛ تاريخ دمشق لابن عساكر: ج47 ص 293، شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج6 ص 46.
[9] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 12 ص 46.
[10] لمزيد من الإطلاع ينظر : خصومة فاطمة عليها السلام عند ابن عثيمين ، السيد نبيل الحسني: ج1 ص 187-191 ، أصدار العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة ، ط1 دار الوارث لسنة 2020م

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2879 Seconds