بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر
الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((دامِغِ جَيْشاتِ الأَباطِيل)).
المفردة الصرفية (دامِغ) التي عدَّها اصحاب الغريب من الغريب في استعمالها على زنة فاعل من الفعل (دَمَغَ)، كما ورد في اللغة: (( الدَّال وَالْمِيم وَالْغَيْن كَلِمَة وَاحِدَة لَا تَتَفَرَّعُ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا. فَالدِّمَاغ مَعْرُوف. وَدَمَغْتُهُ: ضَرَبْتُهُ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى الدِّمَاغِ. وَهِيَ الدَّامِغَةُ)) [1]. ويقال: ((رَجُل دَمِيغ ومَدْموغ: خَرَجَ دِماغُه، ودَمَغَه: أَصابَ دِماغَه. ودَمَغَه دَمْغًا: شَجَّه حَتَّى بَلَغَتِ الشَّجَّة الدِّمَاغ))[2].
قوله (عليه السَّلام): ( دامِغِ جَيْشاتِ[3] الأَباطِيل[4])، قالَ ابنُ قتيبة: (( يُرِيــدُ المُــهلكَ لمَـا نـجــمَ وارتفعَ من الأباطيلِ، وأصلُ الدَّمغِ من الدِّمَاغِ، كَأَنَّهُ الَّذي يَضْربُ وسطَ الرَّأْسِ فَيَدْمِغ، أي: يُصِيب الدِّمَاغ))[5].ومنهم من يرى في قوله: (دامِغِ جَيْشاتِ الأَباطِيل): أي: مُهْلِكُها، يُقَالُ: دَمَغَهُ يَدْمَغُهُ دَمْغاً إِذَا أصابَ دِمَاغَهُ فقَتَلَهُ[6]. من المجاز كما يقال: دمغ الحق الباطل، أي: مَحاهُ وتغلَّبَ عليه، وأبطله ومحقَهُ إذا علاه وقهره، وكُلُّ ذَلكَ علَى وجهِ الاستعارةِ[7]، كما جاءَ في قوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ولَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}[8].
ومما تجدر الإشارة اليه ان اسم الفاعل أكثر الصيغ استعمالاً لكونه مرتبطاً بدلالة الحدث وعلى من قام به، فنجد استعمال الإمام(عليه السَّلام) اسم الفاعلِ(دامغ) للدَّلالةِ علَى تجدُّدِ دمغِ النَّبيّ(صلى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ) لـ(جيشاتِ الأباطيلِ) حتَّى بعدَ وفاتِهِ، ومما يعزز دقة نظم العبارة استعمل(عليه السلام)اسم الفاعل(دامغ)؛لأجل الزيادة في المعنى، فكل زيادة في المبنى تؤدي الى زيادة في المعنى[9]، ولم يستعمل الفعل(دمغ)؛ لأنه في وقْتٍ مَاضٍ؛ ولأنه لَمْ يَستمر ويَتجدَّد، وكذا لم يستعمل الصفة؛ لأنها ثابتة ومستقرة، وهذا الأمر يتطلَّبُ التَّجديد والتَّغيير، فلا يناسِبُ هذا المقام إلَّا اسمُ الفاعلِ، لأنَّهُ يدلُّ على التَّجديدِ والتَّغييرِ[10]. وقد أدْخَلَ الامامُ(عليه السلام) سعة على اللسان العربي باستعماله الصيغة الصرفية مجازا، وَالمرَاد من حديثه (عليه السلام)أَنه قامع مَا نجم مِنْهَا ومزهقه، وكذلك (الأباطيل) وردت على غير قياس[11].
الهوامش:
[1] مقاييس اللغة(دَمَغَ)2/302، وينظر: لسان العرب(دمغ): 8/424.
[2] لسان العرب(دمغ): 8/424.
[3] معنى جيشاتِ: من جَاشَ الشَّيء، أي: ارتفعَ، وجاشَ الماءُ إذا طمى، وجاشتِ النَّفسُ تَجِيش جَيْشاً وجَيَشاناً: فاضت وارتفعَ قدرُهَا ومكانتها). ينظر: غريب الحديث: ابن قتيبة: 2/146، والغريبين في القرآن والحديث: 1/392،والفائق في غريب الحديث: 1/416، والنهاية في غريب الحديث: 1/324، ولسان العرب(جيش): 6/277.
[4] قال الخليل: (الباطلُ: نقيضُ الحقّ)، العين(ب ط ل)7/431، وقال الزمخشري: الأباطيل: جمع بَاطِل على غير قِيَاس). لفائق في غريب الحديث: 1/416.
[5] غريب الحديث: 2/146، وينظر: الغريبين في القرآن والحديث: 1/392، وغريب الحديث: ابن الجوزي: 1/298.
[6] ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/133، ولسان العرب(دمغ): 6/277.
[7] ينظر: اساس البلاغة(دمغ)1/298، ومعجم اللغة العربية المعاصرة: (د م غ)1/769.
[8] سورة الانبياء: 18.
[9] ينظر: الكتاب: 2/2134، وشرح الشافية: 1/62.
[10] ينظر: التحليل اللغوي في ضوء علم الدّلالة: 71.
[11] مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/ دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 80-82.