بقلم: الدكتور خليل خلف بشير
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
وبعد:
فإن مما ورد في خصوص الدعاء في نهج البلاغة هو ذكره عليه السلام لآداب الدعاء وشروطه من ذلك قوله في وقت الدعاء ومكانه ((فمتى شئتَ استفتحتَ بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرتَ شآبيب رحمته))[1]وكذا في رواية عَنْ نَوْفٍ الْبَكَالِيِّ، قَالَ : رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ فِرَاشِهِ فَنَظَرَ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لِي : يَا نَوْفُ أَرَاقِدٌ أَنْتَ أَمْ رَامِقٌ، فَقُلْتُ بَلْ رَامِقٌ، قَالَ : يَا نَوْفُ طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبِينَ فِي الْآخِرَةِ أُولَئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا الْأَرْضَ بِسَاطاً وَتُرَابَهَا فِرَاشاً وَمَاءَهَا طِيباً وَالْقُرْآنَ شِعَاراً وَالدُّعَاءَ دِثَاراً ثُمَّ قَرَضُوا الدُّنْيَا قَرْضاً عَلَى مِنْهَاجِ الْمَسِيحِ يَا نَوْفُ إِنَّ دَاوُدَ (عليه السلام) قَامَ فِي مِثْلِ هَذِهِ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ إِنَّهَا لَسَاعَةٌ لَا يَدْعُو فِيهَا عَبْدٌ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَشَّاراً أَوْ عَرِيفاً أَوْ شُرْطِيّاً أَوْ صَاحِبَ عَرْطَبَةٍ[2].
ومن شروط الدعاء أيضاً الإخلاص فيه،وعقد القلب عليه كما في وصيته لابنه الحسن (عليه السلام) : ((وَأَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا إِلَى إِلَهِكَ فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيزٍ وَمَانِعٍ عَزِيزٍ وَأَخْلِصْ فِي الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ وَالْحِرْمَانَ))[3]، وكذا في حكمته التي يقول فيها : ((أُوصِيكُمْ بِخَمْسٍ لَوْ ضَرَبْتُمْ إِلَيْهَا آبَاطَ الْإِبِلِ لَكَانَتْ لِذَلِكَ أَهْلًا لَا يَرْجُوَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا رَبَّهُ وَ لَا يَخَافَنَّ إِلَّا ذَنْبَهُ وَلَا يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ وَلَا يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الشَّيْءَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ)) [4].
ومن الشروط أيضاً اليأس من غير الله تعالى؛ لأنّ مفاتيح الغيب عند الله تعالى فهو الذي يعطي من يشاء، ويمنع عمن يشاء بحسب المصلحة الإلهية فربما يسأل العبد ما هو شر له والله يبدله إلى الخير، وربما يسأل الخير فيؤخره؛ لأن المصلحة تقتضي التأخير، وفي هذا المعنى يقول أمير المؤمنين : ((فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ وَاسْتَمْطَرْتَ شَآبِيبَ رَحْمَتِهِ فَلَا يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الْإِجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ السَّائِلِ وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الْآمِلِ وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلَا تُؤْتَاهُ وَأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلَاكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ وَيُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ فَالْمَالُ لَا يَبْقَى لَكَ وَلَا تَبْقَى لَهُ))[5].
ومن آداب الدعاء الافتتاح بذكر الله والثناء عليه والصلاة على النبي وآله، وقد أكّد هذا المعنى في قوله ((إِذَا كَانَتْ لَكَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَاجَةٌ فَابْدَأْ بِمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ (صلى الله عليه وآله) ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ فَإِنَّ الله أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ حَاجَتَيْنِ فَيَقْضِيَ إِحْدَاهُمَا وَيَمْنَعَ الْأُخْرَى))[6]. ومن ذلك قوله ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ مِنْ آثَارِ سُلْطَانِهِ وَجَلَالِ كِبْرِيَائِهِ مَا حَيَّرَ مُقَلَ الْعُقُولِ مِنْ عَجَائِبِ قُدْرَتِهِ وَرَدَعَ خَطَرَاتِ هَمَاهِمِ النُّفُوسِ عَنْ عِرْفَانِ كُنْهِ صِفَتِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله شَهَادَةَ إِيمَانٍ وَإِيقَانٍ وَإِخْلَاصٍ وَإِذْعَانٍ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ وَأَعْلَامُ الْهُدَى دَارِسَةٌ وَمَنَاهِجُ الدِّينِ طَامِسَةٌ فَصَدَعَ بِالْحَقِّ وَنَصَحَ لِلْخَلْقِ وَهَدَى إِلَى الرُّشْدِ وَأَمَرَ بِالْقَصْدِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ))[7])[8].
الهوامش:
[1] -المصدر نفسه،الرسالة 31، ص464-465.
[2] - وَهِيَ الطُّنْبُورُ ـ أَوْ صَاحِبَ كَوْبَةٍ ـ وَ هِيَ الطَّبْلُ، وَقَدْ قِيلَ أَيْضاً إِنَّ الْعَرْطَبَةَ الطَّبْلُ وَالْكَوْبَةَ الطُّنْبُورُ (نهج البلاغة، الحكمة 104،ص568-569).
[3] - المصدر نفسه وصيته إلى ابنه الإمام الحسن (عليه السلام) ص458.
[4]- المصدر نفسه، الحكمة 82،ص564.
[5]- المصدر نفسه، وصيته إلى ابنه الإمام الحسن (عليه السلام) 464-465.
[6] - نهج البلاغة، الحكمة 361،ص616.
[7]- المصدر نفسه، الخطبة 195،ص356-357.
[8]لمزيد من الاطلاع ينظر: من النتاج الفكري لأمير المؤمنين عليه السلام تفسيره المغيب للقرآن الكريم وادعيته العلوية للدكتور خليل خلف بشير، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 121 – 123.