بقلم: الدكتور خليل خلف بشير
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
وبعد:
فإن مما ورد في خصوص الدعاء في نهج البلاغة هو ذكره عليه السلام لآداب الدعاء وشروطه ومن ذلك قوله: يعد الدعاء شكلاً فنياً فهو من حيث المظهر الخارجي يقوم عل عنصر المحاورة الانفرادية إذ يتوجه الإمام بكلامه المسموع إلى الله تعالى، ومن حيث المظهر الداخلي يقوم على عنصر وجداني يجسّده الكلام المذكور إذ يتصاعد به الداعي إلى أوج الانفعالات الصادرة عنه[1]. ومن حيث المضمون تنطوي هذه المحاورة على محورين[2] :
الأول : فردي أو ذاتي يتصل بحاجات الداعي الشخصية كطلب المغفرة، والشفاء من المرض، وغيرهما .ومثاله عند الإمام (عليه السلام) قوله ((اللهمَّ صُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ وَلَا تَبْذُلْ جَاهِيَ بِالْإِقْتَارِ فَأَسْتَرْزِقَ طَالِبِي رِزْقِكَ وَأَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِكَ وَأُبْتَلَى بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي وَأُفْتَتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي وَأَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِيُّ الْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))[3].
الثاني: موضوعي، ويشمل كل ما هو غير ذاتي، وهو نمطان:
1- عبادي: يتصل بتمجيد الله والثناء عليه بذكر صفاته ومعطياته.
2- اجتماعي : وينحصر بطلب إلى الله تعالى بتحقيق حاجات الآخرين مثل طلب النصر على العدو، واستسقاء المطر، والدعاء للآخرين ... الخ مثال ذلك قوله في خطبة الاستسقاء ((اللهمَّ قَدِ انْصَاحَتْ جِبَالُنَا وَاغْبَرَّتْ أَرْضُنَا وَهَامَتْ دَوَابُّنَا وَتَحَيَّرَتْ فِي مَرَابِضِهَا وَعَجَّتْ عَجِيجَ الثَّكَالَى عَلَى أَوْلَادِهَا وَمَلَّتِ التَّرَدُّدَ فِي مَرَاتِعِهَا وَالْحَنِينَ إِلَى مَوَارِدِهَا))[4].
ويمكن تلمس عناصر الدعاء من خلال العنصر الرئيس، وهو عنصر المحاورة الانفرادية بالآتي[5]:
1- العنصر الإيقاعي : لما كان الدعاء شكلاً معدّاً للتلاوة فحريّ به أن يتسم بوجود عنصر إيقاعي متمثل بالتجنيس والسجع ونحوهما، وقد بلغ أسلوبه حداً ترفّع به السجع عن الصنعة والتكلف فهو على كثرة الجمل المتقاطعة الموزونة المسجّعة أبعد ما يكون من الصنعة وروحها، وأقرب ما يكون من الطبع الزاخر[6] لذا نجد الأدعية مشحونة بالإيقاع غير المتكلف بنحو لافت النظر فإذا ما استخدم هذا اللون من الإيقاع فإنه سيضفي جمالاً آخر يجمع بين جمال المعنى وجمال الإيقاع، ولما كان الإيقاع من خصائص القرآن الكريم لذا فالخطاب العلوي يستمد معانيه وأساليبه من الخطاب القرآني، وتتوقف قوة استخدام العنصر الإيقاعي على قدرة المتكلم على التلاعب بالحروف والكلمات[7].
2- العنصر الصوري : ونظراً للوضوح والمباشرة والتقريرية التي تتضمنها طبيعة الحاجات المدعو بها فإن الدعاء لا يمنحه نفس الأهمية التي نجدها للإيقاع فالداعي يتقدم بحاجاته بلغة واضحة لا غموض ولا تعقيد ولا تعميق إلا في بعض الأدعية التي تتطلب عنصراً صورياً كالمناجاة التي تستلزم دخولاً إلى أغوار النفس في تشابك حالاتها المختلفة )[8].
الهوامش:
[1]- ينظر: تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي /234، والبلاغة الحديثة في ضوء المنهج الإسلامي/ د. محمود البستاني 150-151.
[2]- ينظر: أدب الشريعة الإسلامية - دراسة جديدة في بلاغة نصوص القرآن الكريم ونصوص الأربعة= =عشر معصوماً / د. محمود الب ستاني163.
[3]- نهج البلاغة، الخطبة 225، ص404.
[4]- المصدر نفسه، الخطبة 115، ص196.
[5]- ينظر: البلاغة الحديثة في ضوء المنهج الإسلامي 151-152.
[6]- ينظر: الإمام علي صوت العدالة الإنسانية 294.
[7]- ينظر: علوم نهج البلاغة / د. محسن باقر الموسوي 37.
[8]لمزيد من الاطلاع ينظر: من النتاج الفكري لأمير المؤمنين عليه السلام تفسيره المغيب للقرآن الكريم وادعيته العلوية للدكتور خليل خلف بشير، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 123-125.