بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر
الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
ورد حديث للإمام علي (عليه السلام) في كتب الغريب قوله: (( إِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّ رأيَهُن إِلَى أَفْنٍ ))[1]. نجد لفظة(أَفْن) التي عدَّها اصحاب غريب الحديث من الغريب معناها في المعجمات: ((الأفن: الحمق. الأفين: الأحمق وبالتحريك: ضعيف الرأي))[2]. وقال ابن دريد: (( أفِن يُؤفن أَفْناً فَهُوَ مأفون، إِذا قلّت بركتُه...، ورجل مأفون: إذا كَانَ نَاقص الْعقل))[3]. ويقال: هُوَ المُتمدِّحُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ [4].
بعد عرض الآراء في بيان معنى (أفن) يفضي مؤداه الى معنى النقص والضعف. فقوله(عليه السلام): (رأيَهُن إِلَى أَفْنٍ) فالرأي المأفون دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفٍ ونقصٍ فِي الْعَقْلِ ومنه قَولُهم رجلٌ أَفِين أي ناقِصُ العقل[5]، كما بيّن الإمام (عليه السلام) في مظانِّ هذه النصائح والتوصيات أنّ مثل هذا الكائن اللطيف لا يستطيع أن يكون طرفاً للمشورة فيالمسائل المهمة، وقد خص نساء معينات في ذلك الوقت[6]، في قوله (عليه السلام): (فإنّ رأيَهنَّ إلى أفْن) الأفْن بالسكون: (النقص)[7]، وَأَصْل ذَلِكَ كُلِّهِ يُقَالُ: أَفَنَ الْفَصِيلُ مَا فِي ضَرْعِ أمِّه: إِذَا شَرِبَه كُلَّه[8]. وَأَفَنَ الْحَالِب النَّاقة: إِذَا لَم يَدَع فِي ضَرعِها شيئًا أَو حَلبها فِي غيرِ حِينِها فيُفسدها ذلِكَ[9]؛ ذلك أنّ القضايا العاطفية والأحاسيس النفسانية تتغلّب على النساء، وهذا هو الأمر الذي يؤثّر عليهن في مقام المشاورة. فالكلام مخصوص لولده الحسن(عليه السلام) فقد اوصاه، ولم يكن لعموم النساء في ذلك الوقت ودليل ذلك عندما يذم الرجال من أهل البصرة فهو(عليه السلام) لا يقصدهم كلهم، ومما يلحظ تطور في دلالة اللفظة فقد أدخل سعة على اللسان العربي وهي الخروج من المعنى الخاص إلى معنى أوسع وأرحب)[10].
الهوامش:
[1] ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: 5/ 241، النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/75، نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 16/124، تهذيب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: تح، عبد الهادي الشریفي: 2/ 239، غريب الحديث في بحار الأنوار: 1/67.
[2] العين: 8/378، وينظر: المقاييس: (أفن)1/19، ومعجم اللغة العربية المعاصرة: (أفن)1/104.
[3] جمهرة اللغة: (أفن)2/1090،2/1256، وفي التهذيب عن أَبي عُبيد: المأفون وَهُوَ الَّذِي لَا خَيْر فِيهِ. تهذيب اللغة، 5/344-345.
[4] ينظر: لسان العرب: (أفن) 13/19.
[5] ينظر: غريب الحديث: الخطابي: 1/320، والفائق في غريب الحديث: 2/144، والنهاية في غريب الحديث والاثر: 1/57، والتحرير والتنوير: 1/261.
[6] ينظر: نفحات الولاية: 9/602.
[7] ينظر: غريب الحيث: الخطابي: 1/320، بحار الأنوار: 43/163، تهذيب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: تح عبد الهادي الشریفي: 2/232.
[8] ينظر: غريب الحديث: الخطابي: 1/320، وبحار الأنوار: 43/163.
[9] ينظر: مقاييس اللغة: (أفن)1/120، وتاج العروس: (أفن) 34 /182.
[10] مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/ دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 104-105.