مناقشة أقوال الآلوسي (ت 1270هـ) في تفسير قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}.

مقالات وبحوث

مناقشة أقوال الآلوسي (ت 1270هـ) في تفسير قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}.

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 04-05-2023

وبيان معارضتها للقرآن والسُنَّة وتضافره على هضم فاطمة عليها السلام.
ثانياًـ مناقشة قوله: في أخذ الشيعة بعموم قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} وعدم الاستثناء حتى طعنوا على أبي بكر وبيان معارضتها.
بقلم: السيد نبيل الحسني.

قال الآلوسي: (وأخَذَ الشيعة بالعموم وعدم الاستثناء، وطعنوا بذلك على أبي بكر حيث لم يورِّث الزهراء [عليها السلام] من تركة أبيها [صلى الله عليه وآله] حتى قالت له بزعمهم: (يا ابن قحافة أنت ترث أباك وأنا لا أرث أبي، أي إنصاف هذا؟)[1].
أقول:  لقد أنماز هذا القول بأمرين الأول : معارضته للقرآن والسُنّة والتاريخ ؛ والأمر الثاني : تجلي الأنساق الثقافية والعقدية في التعامل مع النصوص.

فأمّا الأمر الأول فقد ورد فيه من المعارضة ما يلي:
1ـ أمّا قوله : (وأخَذَ الشيعة بالعموم وعدم الاستثناء) ، فهذا يكشف عن تمسك الشيعة بالثقلين كتاب الله تعالى وعترة النبي صلى الله عليه وآله، ونبذهم للمحدثات من الأمور ، إذ لم يرد في القرآن ولا السُنّة النبوية المنع من العمل بعموم الآية وعدم استثناء الأولاد من الإرث إلاّ بـ : (الكفر والقتل والرق) ، وهو ما اَحتجت به فاطمة عليها السلام على أبي بكر وأصحابه ، أي أنها احتجت بالعموم وبيانها لموارد الاستثناء من العمل بحكم الآية ، لكنهم سَنّوا سُنّة جديدة فمنعت فاطمة عليها السلام من أرث أبيها صلى الله عليه وآله .

2ـ وأمّا قوله (وطعنوا على أبي بكر)، وجوابه: أن الشيعة لم يطعنوا، بل إنّ من طعن هم أعلام أهل السُنَّة والجماعة، وأول الطاعنين لفعل أبي بكر هي ابنته عائشة التي أخرج لها أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد والمستدركات أقوالها فيما شجر بين أبيها وبضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) حينما أخبرت أن فاطمة (عليها السلام) جاءت إلى أبي بكر تطالبه بدعاوى ثلاثة، وهي (الإرث، ونحلتها من أرض فدك، وسهم ذي القربى). لكنها، أي عائشة تكتمت على الدعوى الرابعة، وهي طعمة فاطمة (عليها السلام) من حصن الكتيبة[2].
ومن ثم لم تكن ظلامة فاطمة (عليها السلام) محصورة في الإرث فقط وإنما بجميع ما فرضته الشريعة لها، فأنكرها أبو بكر وصادرها منها.
وعليه: فالطعن هنا ليس من الشيعة وإنما من ابنته عائشة، وهي الشاهد الحاضر لما شجر بين أبيها وبضعة النبوة فاطمة (عليها السلام)؛ وإذا كان ذكر الظلامات يعد طعناً فأوّل الطاعنين –بهذا المفهوم– يكون القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! -والعياذ بالله.

3- إنّ أئمة الشيعة (عليهم السلام) ومنذ حدث السقيفة صابرون محتسبون لا سيما ولي الله المعظم أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) حتى خُضّبت كريمته في مسجد الكوفة.
وحسبك في ذلك قوله (عليه الصلاة والسلام):
«أَمَا والله لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ وإِنَّه لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ولَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ويَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، ويَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّه»[3].
ومن قوله (عليه السلام): «فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى» الى قوله «لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا».
وعليه: فليس الشيعة من يطعن وهذا هو نهج أئمتهم (عليهم السلام) إلا أنهم يتحدثون عن ظلامة أئمتهم تبعاً لنهج آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهديهم.

4- أما قوله: (حتى قالت له بزعمهم: (يا ابن قحافة أنت ترث أباك وأنا لا أرث أبي، أي إنصاف هذا؟)[4].) فهو كذب على بضعة النبوة عليها السلام وعلى شيعتها، فضلاً عن سوء النقل، فقد روى خطبتها الاحتجاجية غير واحد من أعلام أهل السُنَّة والجماعة بتمامها واختصاراتها؛ فلم يرد فيها ولا في غيرها مما صح سنده ووثق خبره أنها أحتجت بهذا اللفظ.

5- أما الأمر الثاني الذي أنماز به قول الآلوسي، أي تجلي النسق الثقافي الذي أخذ بحجزته فجعله قائداً وإماماً له في التفكير والبحث والقراءة، فقد طغى على جميع ألفاظه ، ولذا: أسهب في الطعن على الشيعة والتقوّل عليهم ، - كما سيمر في المزيد من أقواله - في حين كان يلزم منه التحرر من الموروث العقدي والإحجام عن هذه الأنساق الثقافية في التعامل مع الموروث الإسلامي ومناهله المعرفية في الحديث والتفسير والتاريخ واللغة ويتدارسه دراسة علمية تدور في فلك القرآن والسُنَّة النبوية، وليس الموروث الفكري والعقدي الذي أسس على سُنّة الشيخين.

وعليه:
فإنه أراد أن ينتصر لهذا النسق الثقافي الذي نشأ عليه وليس للشريعة لاسيما وأننا أوردنا أقوال أئمة التفسير من أهل السُنَّة، فقد دار حديثهم في مناهج التفسير دلالة الآيات ومفهومها ومعناها فناقشوا أقوال ابن عباس، والحسن البصري، وأبو صالح وغيرهم مما مرَّ عِبْرَ المسائل السابقة.
ومِنْ ثمَّ: لا يمكن دفع التوارث بين الأنبياء عليهم السلام في الأموال بعد إقرار القرآن والسُنّة واللغة بذلك، إلا أن الحقيقة المرّة والتي لا مفرَّ منها، هي: تضافر الأمة على هضم بضعة النبوة (عليها السلام) وقد تجلّت في دفاعهم عن خصوم فاطمة عليها السلام والانتصار لهم، وهو ما صرّح به أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال:
«وسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ [عليَّ] وعَلَى هَضْمِهَا، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ»[5] «فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا، وستقول، ويحكم الله، وهو خير الحاكمين»[6].[7]

الهوامش:
[1] تفسير الآلوسي: ج4 ص 217.
[2] لمزيد من الاطلاق، ينظر: ما أنكره أعلام أهل السُنَّة والجماعة فيما شجر بين أبي بكر وفاطمة (عليها السلام) طُعمة حصن الكتيبة أنموذجا للمؤلف.
[3] نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ج48 - الخطبة الشقشقية.
[4] تفسير الآلوسي: ج4 ص 217.
[5] نهج البلاغة، الشريف الرضي: الخطبة رقم: 202
[6] الأمالي ، الشيخ المفيد : ص282
[7] لمزيد من الاطلاع، ينظر: معارضة حديث لا نورث للقران والسُنّة واللغة، السيد نبيل الحسني: 193 / 196، إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة، ط1 دار الوارث كربلاء - 2021م.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2708 Seconds